«أما قبل آدم فكان ثمة صنف من المملكة الحيوانية يدعى البشر ، وأن الله نفخ الروح في البشر فتحول إلى إنسان وتطور وتقدم ، ولم ينفخ الروح في القرود فبقيت كما هي» (١).
ويدلل الدكتور شحرور على تفسيره بدليل يراه دامغا ، وهو «أن كلية الطب تسمى كلية الطب البشري ؛ لأنها تدرس الإنسان من حيث كونه بشرا ، له شعر وجلد وعيون وجهاز هضمي وعصبي وقلب ودورة دم» (٢).
ولا شك أن هذا لا يمثل براهين علمية ، ولا أدلة عقلية ، ولا علاقة له أصلا بأي منهج علمي ، إلا إذا اعتبرنا أن التصورات والافتراضات المتخيلة هي من الحقائق العلمية.
ثم إن تفسيره للآية أوهى من نسج العنكبوت ؛ لأنه :
أولا : بتر الآية ، فالآية تقول : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٣٣] ، وهي واضحة في أنها تدل على غير مراد الدكتور شحرور ، وأن تفسيره لها غريب وبعيد كل البعد عن المراد منها ؛ حيث إن الله عطف نوحا وآل إبراهيم وآل عمران على آدم ، فهل كان هؤلاء مصطفون من المملكة الحيوانية المسماة بالبشر مثل آدم كما زعم؟ فهذا لا يصدق على نوح وآل إبراهيم وآل عمران ، ومن ثم فهو لا يصدق على آدم ـ أيضا ـ فترجح ما ذكرناه وهو مخالف لما ادعاه الدكتور شحرور.
ثانيا : تناسى المؤلف آيات كثيرة تدل على أن الله ـ سبحانه ـ ابتدأ خلق آدم من العدم ، وهو بقوله هذا يكذب صريح هذه الآيات ، فالله جل وعلا يقول : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ) [ص : ٧١ ، ٧٢] فالخلق يدل على الابتداء وأنه من العدم ، فكيف يقال : إن آدم اصطفاه الله من البشر.
ثالثا : هل الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي نفخ الله فيه الروح؟ وهل القرود التي مثل بها ليس فيها روح؟ وكيف يعيش أي كائن حي بدون روح وبخاصة العائلة الحيوانية؟
والخلاصة أن أصحاب المدرسة الفكرية المعاصرة ـ على الرغم من زعمهم التذرع بالمنهج التحليلي الموضوعي ـ قد تناقضت مقدماتهم مع نتائجهم ، واتسم تفسيرهم لبعض آيات القرآن بالتسرع وعدم الدقة والاستقصاء ، ولعل ذلك راجع إلى رغبتهم الجامحة في تسويق مشروعهم الفكري حتى ولو كان على حساب ثوابت القرآن الكريم ومعطياته الدلالية والمضمونية والسياقية ، أو على حساب المعنى الصحيح للآية المفسرة.
__________________
(١) ينظر ماهر المنجد : الإشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن (دار الفكر ، دمشق ، الطبعة الأولى ١٤١٥ ه ـ ١٩٩٤) (ص ١٠٨).
(٢) الصفحة السابقة نفسها.