أن من قال : إن الاجتناب هو أقل من التحريم فقد صدق ؛ لأن التحريم هو لحدود الله ، كقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [المائدة : ٣](١).
وهذا القول يؤدي ـ كما يقول الجيلاني بن التوهامي مفتاح ـ إلى التحلل من بعض الأحكام الشرعية ، فالقول بأن الاجتناب أقل درجة من التحريم يقود حتما إلى القول بعدم حرمة الخمر والزنى (٢) ، وهو ما صرح به شحرور نفسه حين قال : «وإني أقول لهؤلاء الناس ، أيهما أكبر ، أمن يشرب كأسا من الخمر أم من ينكح إحدى محارمه؟ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) [النساء : ٢٣](٣).
ويقال لشحرور : أليس الشرك من أكبر الكبائر ، وأعلى المنهيات حرمة ، فلما ذا عبر عنه الحق ـ تبارك وتعالى ـ بالاجتناب ولم يعبر عنه بالحرمة؟ قال الله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل : ٣٦] ، وقال سبحانه أيضا : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج : ٣٠].
فعلى مذهب الدكتور شحرور يصبح الشرك بالله والكفر به من الأمور العادية التي تخضع لثقافة الناس وأعرافهم ، مثل : الخمر التي يرى أنها ليست بحرام ولكن تعافها الفطرة ، وهو مخالف لما درج عليه أهل الفسق من استطابتها واعتبارها من أفضل مشروباتهم.
يتبين لنا أن تفسير محمد شحرور للحرام والاجتناب مجانب للصواب ، مخالف للأصول الثابتة ، مزلزل لقواعد القرآن وأصوله.
ومن تفسيراته ـ أيضا ـ ما جاء في مسألة الخلق الآدمي ، فقد انطلق ـ كما فعل كثير غيره من أصحاب المدرسة الفكرية المعاصرة في التفسير ـ من نظرية دارون في التطور ، فهو يرى أن آدم انتخب من المملكة الحيوانية البشرية انتخابا ، ولم يخلق ابتداء كما يرى التراثيون ، ويرى شحرور أن خير من أوّل آيات خلق البشر هو (دارون) ، ويعتمد نظريته في التطور ويوظفها في تفسير قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) [آل عمران : ٣٣](٤).
وينقل ماهر المنجد في كتابه (الإشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن) عن شحرور قوله :
__________________
(١) د. شحرور : الكتاب والقرآن ، قراءة معاصرة (ص ٤٧٧).
(٢) المدرسة الفكرية المعاصرة في التفسير (المسلم المعاصر ، / عدد ١٠٢) ص (٤٩).
(٣) د. شحرور : الكتاب والقرآن ص (٤٧٧).
(٤) ينظر : الجيلاني بن التوهامي مفتاح : المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن الكريم (المسلم المعاصر ، عدد ١٠٢) (ص ٥١).