اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ١٨] فهل شهد هنا بمعنى حضر؟ لا ، بل شهد هنا بمعنى أقام الأدلة وبينها ، وما ذا يقول ـ أيضا ـ في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) [البقرة : ٢٠٤]؟ فهل الشهود هنا يعني الحضور والمعاينة؟
ثم إن الآيات التي استشهد بها أبو القاسم حاج ليدلل بها على ما ذهب إليه تدل على خلاف ما أراد ، فقول الله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣].
فمادة (نظر) التي تكررت مرتين ، في كل مرة منهما لا يمكن أن تدل إلا على الرؤية الحسية ، وإلا كيف يستقيم المعنى إذا كان النظر إلى الجبل بمعنى النظر العقلي ، وما فائدة الشرط وجوابه في الآية؟ ومما يزيد الأمر غرابة أن المؤلف أورد آية أخرى هي من الوضوح على نقيض ما ذهب إليه ؛ مما لا يخفى على المبتدئ فضلا عن العالم (إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) [البقرة : ٦٩] فالنظر هنا بالعين ، وليس بالعقل ، وإلا لبطل معنى الآية» (١).
وقول الله تعالى الذي استدل به على أن الشهود بمعنى الحضور (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) هو معنى قال به المفسرون قبله ، فقد قال القرطبي : «وشهد بمعنى حضر ، وفيه إضمار ، أي : قال : من شهد منكم المصر في الشهر عاقلا بالغا صحيحا مقيما فليصمه» (٢).
ومعنى هذا أنه لم يأت بجديد ، ولكن الجديد عنده والغريب في الوقت نفسه ، حصر الشهود في معنى الحضور ، وهو ما فندته قبل قليل.
ومحمد شحرور الذي تناول في كتابه «الكتاب والقرآن قراءة معاصرة» القرآن الكريم بأدوات معاصرة مثل : المنهج البنيوي والمنهج الجدلي ، له تفسيرات تقترب من التفسيرات السابقة ، فمثلا تجده ينكر الترادف ، وهو اتجاه عام لدى أصحاب المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن ، فيقول عند التفريق بين الحرام والاجتناب : «تبين لنا
__________________
(١) الجيلاني بن التوهامي مفتاح : المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن الكريم (مجلة المسلم المعاصر ، العدد ١٠٢) (ص ١١ ، ١٢).
(٢) القرطبي : الجامع لأحكام القرآن (دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ، ط ٣ ١٣٨٧ ه ـ ١٩٦٧ م) (٢ / ٢٩٩).