ومنذ ذلك التاريخ غدت تولية الخلفاء وعزلهم منوطة بإرادة الأتراك ، فقد كانوا يعملون على تولية الخلافة من يطمئنون إليه من أمراء البيت العباسي ، وما أدق عبارة الفخري صاحب الآداب السلطانية في بيان هذه الحالة التي آل إليها أمر خلفاء بني العباس حيث قال : «كان الأتراك منذ قتل المتوكل قد استولوا على المملكة واستضعفوا الخلفاء ، فكان الخليفة في يدهم كالأسير إن شاءوا أبقوه وإن شاءوا خلعوه وإن شاءوا قتلوه» (١).
ونتج عن ضعف الخلافة العباسية استقلال أكثر الولايات الإسلامية في مشرق الدولة ومغربها ، فانفرد الطولونيون بحكم مصر (٢٥٤ ـ ٢٩٢ ه) ثم الإخشيديون (٣٢٣ ـ ٣٥٨ ه) وأخيرا الفاطميون (٣٥٨ ـ ٥٦٧ ه).
أما في المشرق فقد قامت الدولة الطاهرية (٢٠٥ ـ ٢٥٩ ه) في خراسان ، ومنهم انتقلت السلطة إلى أسرة جديدة هي الدولة الصفارية (٢٥٤ ـ ٢٩٠ ه) التي قامت على يد يعقوب ابن الليث الصفار ، والدولة السامانية (٢٦٦ ـ ٣٨٩ ه) التي تفرعت عنها الدولة الغزنوية (٣٥١ ـ ٥٨٢ ه) (٢).
البويهيون :
وإزاء استبداد الأتراك بشئون الدولة تطلع الخلفاء العباسيون إلى قوة جديدة تقيل الخلافة من عثرتها وتستأصل شأفة الأتراك ، فوجدوا في دولة بني بويه الفتية ضالتهم ، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
برز البويهيون إلى رحاب التاريخ الإسلامي في مطلع القرن الرابع الهجري وسرعان ما ترقوا في معارج القوة والنفوذ ، فدانت لعلي بن بويه بلاد فارس بالطاعة (٣٢٣ ه) وانتزع من الخليفة الراضي العباسي اعترافا بسلطانه.
وتوجوا انتصاراتهم بدخول بغداد حاضرة الخلافة العباسية عام ٣٣٤ ه في عهد أحمد ابن بويه (٣٣٤ ـ ٣٥٦ ه) فقابله الخليفة المستكفي واحتفى به وخلع عليه ولقبه معز الدولة ، ولقب أخاه عليّا عماد الدولة ، ولقب أخاه الحسن ركن الدولة ، وضرب ألقابهم على السكة ، ولقب المستكفي إمام الحق وضرب ذلك على السكة (٣) ، على أن البويهيين استأثروا بالسلطة دون الخلفاء كما صنع أسلافهم من الترك.
__________________
(١) ينظر : الكامل (٧ / ٥٧) وما بعدها ، تاريخ الخلفاء (٣٥٨) ، وتاريخ الطبري (٩ / ١٦٣).
(٢) حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام (٣ / ٦٤).
(٣) السيوطي ، تاريخ الخلفاء ص ٤٦٠.