فعمل معز الدولة على توطيد مركزه وتقوية نفوذه في بلاد العراق التي أذعنت لحكمه إذعانا كاملا ، ولم يلبث أن استبد بالسلطان دون الخليفة وعمل على إضعاف الخلافة العباسية وفكر في القضاء عليها وإقامة خلافة شيعية على أنقاضها ، «ولكنه عدل عن هذه السياسة لما قد يتعرض له سلطانه من خطر بسبب وجود خلافة علوية يطيعها الجند ، ويعترف بها الديلم ، ويكونون أداة في يد الخليفة يستغلها لمصلحته متى شاء» (١).
وبلغ من إهانة معز الدولة البويهي للخلافة العباسية وانتقاصه من قدر خلفائها أن قبض على الخليفة المستكفي وسمل عينيه وحبسه إلى أن مات ، وأجلس المطيع (٣٣٤ ـ ٣٦٣ ه) على كرسي الخلافة وحدد له راتبا مائة دينار في اليوم ، ثم قطع ذلك الراتب وحدد له إقطاعات يسيرة يعيش منها كما عين له كاتبا يتصرف في شئونها (٢).
ثورة البساسيري : ذروة الضعف العباسي ، ودخول السلاجقة بغداد :
بلغ ضعف الخلافة العباسية غايته وعجزها منتهاه في عهد الخليفة القائم بأمر الله العباسي الذي تحقق من خيانة البساسيري ذي الميول الشيعية ، وتأكد من مكاتبته الخلافة الفاطمية في مصر.
فطلب إلى الملك الرحيم البويهي إبعاده عن العراق ، فسار البساسيري إلى الرحبة بلد نور الدولة لمصاهرة بينهما (٣) ، وعندئذ أدرك القائم بأمر الله أن نجم البويهيين قد أفل وأنهم أمسوا عاجزين عن حماية الخلافة العباسية ودرء خطر البساسيري عنها ، وأنه لا مناص من الاستعانة بالسلاجقة الذين طوى ملكهم بلاد الفرس والجزيرة وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من بغداد.
وكان أن أرسل طغرلبك إلى الخليفة العباسي القائم رسولا يبالغ في إظهار الطاعة والعبودية ، فانتهز الخليفة ذلك وأمر بقطع الخطبة للملك الرحيم ، والخطبة لطغرلبك بجوامع بغداد في رمضان سنة ٤٤٧ ه «ثم أرسل طغرلبك يستأذن الخليفة العباسي في دخول بغداد ، فأذن له فوصل إلى النهروان ، وخرج الوزير إلى لقائه في موكب عظيم من القضاة والنقباء والأشراف والشهود والخدم وأعيان الدولة ، وصحبه أعيان الأمراء من عسكر الرحيم» (٤).
__________________
(١) حسن إبراهيم ، تاريخ الإسلام (٣ / ٤٤).
(٢) السيوطي ، تاريخ الخلفاء ص (٤٦١).
(٣) الكامل في التاريخ ، بيروت ، دار صادر ١٩٧٩ (٩ / ٦٠٨ ، ٦٠٩).
(٤) السابق (٩ / ٦١٠).