واستغل البساسيري خروج طغرلبك من العراق وانشغاله بحصار الموصل ونصيبين فكاتب إبراهيم ينال أخا طغرلبك وأخذ يعده ويمنيه ويطمعه في ملك أخيه (١) حتى أصغى إليه وخالف أخاه ، فترك الموصل إلى الري ، فتقدم البساسيري إلى الموصل وحاصرها وتمكن من إخضاعها سنة ٤٥٠ ه وتهيأ لدخول بغداد (٢) ، أما طغرلبك فقد انصرف إلى القضاء على عصيان أخيه إبراهيم ينال وتمكن من الظفر به وقتله بالقرب من الري سنة ٤٥٠ ه.
وكان إبراهيم قد خرج على طغرلبك فعفا عنه ، وإنما قتله في هذه المرة لأنه علم أن جميع ما جرى على الخليفة كان بسببه فلهذا لم يعف عنه (٣).
قدم البساسيري بغداد سنة ٤٥٠ ه بالرايات المصرية ، وعليها ألقاب المستنصر صاحب مصر ، وجرى القتال بينه وبين الخليفة القائم الذي انضم إليه نفر من أهل السنة وقاتلوا معه ، بيد أن الخليفة لم يقو على صد البساسيري عن دار الخلافة فاستولى عليها بعد قتال دام شهرا ، وأقيمت الخطبة للمستنصر الفاطمي وزيد في الآذان : حي على خير العمل (٤).
ثم قبض البساسيري على الخليفة وحمله إلى مدينة عانة حيث حبسه بها (٥).
ولما فرغ السلطان طغرلبك من أمر أخيه إبراهيم ينال ، عمل على إعادة الخليفة إلى بغداد ، فكتب إلى قريش بن بدران يأمره أن يعيد الخليفة إلى داره ويتوعده إن لم يفعل ذلك ، فكتب قريش إلى مهارش بن مجلي يخبره بذلك ، فتولى مهارش أمر إعادة الخليفة إلى بغداد (٦).
ثم جهز طغرلبك جيشا لقتال البساسيري الذي لحق بواسط يتهيأ لقتال السلاجقة ليمنعه من الدخول إلى بلاد الشام ، فظفر به جيش طغرلبك فقتل وحملت رأسه إلى بغداد (٧).
وهكذا كانت فتنة البساسيري ـ كما ذكر ابن الأثير ـ أهم الأسباب التي حملت الخلافة العباسية على الاستعانة بالسلاجقة لتخليصهم من استبداد البويهيين ذوي الميول الشيعية والتي مثل البساسيري شكلا من أشكالها.
__________________
(١) ابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة ، القاهرة (٥ / ٥) ، والسيوطي تاريخ الخلفاء ص (٤٨١).
(٢) ابن الأثير ، الكامل (٩ / ٦٣٩).
(٣) السابق (٩ / ٦٤٥).
(٤) ابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة (٥ / ٦).
(٥) السابق (٥ / ٧).
(٦) ابن الأثير ، الكامل (٩ / ٦٤٦ ـ ٦٤٨).
(٧) السابق (٩ / ٦٤٩).