وقال بعضهم : في حال الخطبة ... وذكر ... أن الآية نزلت في الصلاة ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قرأ في صلاته كانوا يقولون مثل ما قال ، فنزلت الآية بالنهي عن ذلك ، والأمر بالاستماع إليه والإنصات له.
روي عن أبي العالية قال : كان نبي الله صلىاللهعليهوسلم إذا صلى قرأ أصحابه أجمعون خلفه ، حتى نزلت : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) [الأعراف : ٢٠٤] «فسكتوا» (١).
وعن علباء بن أحمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ في صلاة الفجر «الواقعة» وقرأها رجل خلفه ، فلما فرغ من الصلاة قال : «من الذي ينازعني في هذه السورة؟» فقال رجل : أنا يا رسول الله ، فأنزل الله : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا).
وزعم بعضهم أن القارئ خفية يسمى ناصتا ومنصتا ، واستدل بما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا كبر سكت بين التكبير والقراءة ، قلت : بأبي أنت ، أرأيت سكاتك بين التكبير والقراءة ، أخبرني ما تقول؟ قال : «أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المغرب والمشرق ...» (٢) وغير ذلك من الدعوات» وغير ذلك من الروايات الدالة على اعتماد الماتريدي على السنة في تفسيره ، وأنه لا يقتصر على نوع واحد من أنواع السنة ، بل يستعين بكل أنواع السنة ؛ القولية والفعلية.
ج ـ تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين :
يعتمد الماتريدي في تفسيره على أقوال الصحابة والتابعين ، ففي تفسير قول الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) [الأنفال : ١] ينقل عن الصحابة والتابعين معا ، فيقول : «وقال أبو أمامة الباهلي : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال ، قال : فينا نزلت معشر أصحاب بدر ، حين اختلفنا وساءت فيه أخلاقنا ، إذ انتزعه الله من أيدينا ، فجعله إلى رسوله ، فقسمه على السواء.
ومجاهد وعكرمة قالا : كانت الأنفال لله والرسول ، فنسخها (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١] وكذلك روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : الأنفال : المغانم كانت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خالصة ، ليس لأحد فيها شيء ، ما أصابت
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ كما في الدر المنثور للسيوطي (٣ / ٢٨٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢ / ٢٢٧) كتاب الأذان باب ما يقول في التكبير (٧٤٤) ، ومسلم (١ / ٤١٩) كتاب المساجد باب ما يقول بين تكبيرة الإحرام والقراءة (١٤٧ / ٥٩٨) ، وأبو داود (١ / ٢٠٥) كتاب الصلاة باب السكتة عند الافتتاح (٧٨١) ، والنسائي (٢ / ١٢٩) كتاب الافتتاح باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة.