منها ، لا العود إليها.
ثم معلوم أن كلام الله هو حجته ، وأن الحجة قد لزمته لوجهين :
أحدهما : ما ظهر عجز الخلق عن مثله ، وانتشر الخبر في الآفاق على قطع طمع المقابلين لرسول الله بالرد ، الباذلين مهجهم وما حوته أيديهم في إطفاء نوره ؛ فكان ذلك حجة بينة لزمتهم.
والثاني : أن جميع ما يتلى منه لا يؤتي عن آيات إلا وفيها مما تشهد العقول على قصور أفهام الخلق عن بلوغ مثله من الحكمة وعجيب ما فيه من الحجة ؛ مما لو قوبل بما فيه المعنى ، وما يحدث به من الفائدة ؛ ليعلم أن ذلك من كلام من يعلم الغيب ، ولا يخفى عليه شيء ، وإذا كان كذلك صار هو بالرد مكابرا ، وحق مثله الزجر والتأديب أنه لم يفعل لما لم يكن يضمن أمانة القبول ، ولا أن يعارضه بالرد ، وذلك أعظم مما فيه الحدود ، فالحد أحق ألّا يقام عليه ، والله أعلم».
ثم قال حول العبارة ـ أيضا ـ : «ثم قوله : (أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) يحتمل وجهين : أحدهما : أن يدعه ولا يمنعه عن العود إلى مأمنه ؛ ليعلم أن حكم تلك الدار لم يزل عنه ، وأنه لا تلزم الجزية إلا عن طوع أو دلالة عليه.
والثاني : أن يكون عليه حفظه إلى أن يبلغه مأمنه بدفع المسلمين عنه ، وفي ذلك لزوم حق الأمان للجميع بإجارة بعض ، وعلى ذلك كل مسلم.
ثم سماع كلام الله يخرج عن القرآن ، وفيه ما ذكرت من الدلالة ، وعلى سماع أوامر الله ونواهيه في حق الفرض عليه ، وعلى سماع حجج النبوة وآيات الرسالة والتوحيد من القرآن. والله أعلم».
فهنا الماتريدي يقول في القرآن برأيه ، ويعرض الأوجه ويدلل تدليلا عقليّا دون أن يذكر ولو في إشارة دليلا نقليّا.
ب ـ اهتمامه بالأمور الفلسفية والعقدية :
يغص تفسير الماتريدي بالأمور الفلسفية والعقدية ، فما من آية تتعرض لأمر عقدي أو فكري إلا ويقف أمامها لإبراز جوانبها المتعددة بإعمال عقله.
ومن المسائل الاعتقادية التي ناقشها الماتريدي مسألة : سؤال أهل النار ربهم العودة إلى الدنيا كي يعملوا صالحا ، وذلك من خلال تفسيره قول الله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام : ٢٧] ، مستخلصا بعض