الأمور العقيدية في إطار تفسيره للآية.
يقول الماتريدي : «قوله عزوجل : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) قيل : إلى الدنيا ، وقيل : إلى المحنة من حيث لا يحتمل كون الدنيا بعد كون الآخرة ، لكن هذا تكلف لتحقيق مراد قوم ظهر سفههم ، ولعله ليس عندهم التمييز ، أو يقولون سفها كما قالوا كذبا بقوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
وقوله عزوجل : (بِآياتِ رَبِّنا) قال الحسن : بدين ربنا.
وقال قوم : بحجج ربنا ، فيكون في الآية اعتراف أنهم على التعنت كذبوا في الأول لا على الجهل ، وإن كان ثم آيات عاندوها ، وهم قوم قد سبق من الله الخبر عنهم مما فيه العناد منهم ...
ثم دل قوله : (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أنهم قد عرفوا أن الإيمان هو التصديق لوجهين :
أحدهما : أنهم جعلوا الإيمان مقابل التكذيب ؛ ليعلم أنه التصديق.
والثاني : أنهم ذكروا الآيات ، والآيات يكذب بها ويصدق لا أن يعمل بها.
وبعد : فإن الذي في حد إمكان الإتيان مما فات هو التصديق ؛ إذ الغير لو توهم الأمر ليوجد ما سبق من الترك والتصديق لو أمر ، فهو لما سبق من التكذيب على أنه أجمع ألا يؤمر من آمن بقضاء شيء مما فات ، فثبت أنهم أرادوا به التصديق ، وفيه أنه اسم لذلك حتى عرفه أهله وغير أهله معرفة واحدة».
ويمضي الماتريدي في عرض هذه القضية العقدية ، ولا يقتصر على عرضه هو لها ، بل يستأنس بأقوال الآخرين ويعرض آراءهم ، فيقول : «وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ رُدُّوا) أي : إلى ما تمنوا أن يردوا إليه (لَعادُوا لِما نُهُوا) أخبر الله عن علمه بما قد أسروه في ذلك الوقت إنما كان في علمه أن يكون ، وإن كان من حكمه ألا يردوا في ذلك أن الآية تضطر صاحبها ، ولا قوة إلا بالله.
وقال قوم : إن الخلود يلزم في النار بما هم في علم الله أنهم يلزمون ما هم عليه لو مكثوا للأبد.
وقال قوم : إذ لم يجز لزوم العذاب بما يعلم الله من العناد من أحد لو امتحن بلا محنة ولا خلاف ، فعلى ذلك أمر الخلاف ، لكن الآية في خاص منهم ، وهم الذين اعتدوا وعاندوا الحق بعد الوضوح ، على ما ذكر في كثير من الكفرة أنهم لا يؤمنون أبدا ، ثم