أمهلهم على ذلك ، وهذا يبين أن ليس يمنع الإعادة لما يعودون له لو كان يحتمل في الحكمة الإعادة ، إذ قد أمهل وأبقى على العلم بذلك ، فعلى ذلك الإعادة ، لكنه أخبر عن تعنتهم ، ثم ظنت المعتزلة أن الله لو علم أنهم لا يؤمنون لردهم إلى ذلك ؛ إذ بين أنهم لا يؤمنون فيستدلون بهذا ؛ إذ ليس لله قبض روح يعلم أنه لو لم يقبضه يؤمن يوما من الدهر ، وقد بينا نحن أن ذلك لا يوجب ، وإن كان أولئك في علم الله أن يعودوا إلى ذلك ... إلخ.
ونلاحظ الأسلوب الفلسفي في عرض القضية ، وبنائها على مقدمات تسلم إلى نتائج كما يفعل المناطقة ، متأثرا في ذلك بالمدارس العقلية ، أو سالكا سبيلها.
ج ـ اهتمامه بالآيات الداعية إلى إعمال العقل :
يقف الماتريدي طويلا أمام الآيات التي تخاطب العقل الإنساني والحواس الإنسانية ، ففي قوله تعالى : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) قال : «يحتمل الأمر بالنظر وجوها ، أي : يحتمل : انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه أن كيف يقلبها ويحولها من حال إلى حال ، ومن لون إلى لون ، وأنه يخرج في ساعة لطيفة ما لو اجتمع الخلائق على تقديره ومعرفته ، أي كمّ خرج ، وأي كمّ مقدار خرج ـ لم يقدروا عليه ؛ ليعلموا أنه قادر على إحياء الخلق بمرة واحدة ، وفي إنزال المطر من السماء مع بعدها آية عجيبة وحكمة بالغة».
وهكذا يلح الماتريدي على إعمال العقل في تفسير القرآن الكريم ، لكنه العقل المنضبط غير المنفلت.
ومن خلال ما سبق نتبين بوضوح انتماء الماتريدي التفسيري ، فهو ينتمي من غير مرية إلى اتجاه معتدل يوازن بين النقل والعقل ، وإن كنا نلمس ميلا إلى العقل أحيانا عند تفسيره لبعض الآيات ، وبخاصة الآيات التي تناقش قضايا عقدية وتقيم البرهان على صحتها ، أو الآيات التي تخاطب العقل والفكر كحجج وبراهين على وجود الله ووحدانيته.
* * *