[الأنعام : ١٠٩] ؛ حيث قال : «اختلف فيه :
قال الحسن وأبو بكر الأصم : إنه خاطب بقوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) أهل القسم الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) ، فقال : (وَما يُشْعِرُكُمْ) أي : ما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءتكم آية ، ثم استأنف ، فقال : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ... وهكذا كان يقرؤه الحسن بالخفض : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) على الاستئناف والابتداء.
وقال غيرهم من أهل التأويل : الخطاب لأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذلك أنهم لما قالوا : (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) ظنوا أنهم لما أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم يؤمنون إذا جاءتهم آية : يفعلون ذلك ويؤمنون على ما يقولون ؛ فقال لهم : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) على طرح «لا» ، أي : ما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون. وهكذا كأنه أقرب.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن أهل الإسلام قالوا : إنهم وإن جاءتهم آية لا يؤمنون ، فقال عند ذلك : (وَما يُشْعِرُكُمْ) خاطب به هؤلاء (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ).
والثاني : أنهم وإن آمنوا بها إذا جاءت ، فنقلب أفئدتهم من بعد».
وعلى كل حال فما نقله الماتريدي عن أهل التأويل أو أهل التفسير ، فإنه لم يقف ـ في الجملة ـ حياله عاجزا ، بل حاور سابقيه ، ورد أقوالهم ونقدها وفندها أحيانا ، وزاد عليها أحيانا أخرى.
خامسا : علم الكلام :
سبق أن بينا أن للماتريدي مذهبا اعتقاديا ينصر فيه اعتقاد أهل السنة والجماعة ، وبينا بشيء من التفصيل الفارق بين مذهبه والمذاهب الأخرى ، وبخاصة الأشعرية.
وتفسير الماتريدي لا يخلو من آراء كلامية ، سواء صرح بذكر قائليها أو لم يصرح ، ولعلنا نعرض لبعض النماذج التي تؤيد ما نقول.
يقول الماتريدي عند تفسير قول الله تعالى : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) [الأنعام : ٣٦] : «الحياة حياتان : مكتسبة : وهي الحياة التي تكتسب بالهدى والطاعات ، وحياة منشأة : وهي حياة الأجسام ، فالكافر له حياة الجسد وليس له حياة مكتسبة ، وأما المؤمن فله الحياتان جميعا ؛ المكتسبة والمنشأة ، فيسمي كلّا بالأسماء التي اكتسبها ، فالمؤمن اكتسب أفعالا طيبة فسماه بذلك ، والكافر اكتسب أفعالا قبيحة ، فسماه بذلك».