الأول : اهتمامه بالمضمون دون الشكل ، والمعنى دون اللفظ.
والثاني : اهتمامه في تفسيره بالمسائل العقدية والفقهية ، وهو أمر مترتب على الأول.
ثامنا : إعمال العقل والتفسير بالرأي :
إن الماتريدي فضلا عن اعتماده على المصادر المذكورة سابقا ، أعمل عقله في الآيات وقال فيها برأيه ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ، وهو حين يعمل عقله يقلب الآية على وجوهها المختلفة تارة ، ويذكر فيها وجها واحدا تارة أخرى.
فمن الأول ـ وهو كثير ـ : ما جاء في تفسيره قول الله تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) [الأنفال : ٣٧] حيث قال الماتريدي : قوله عزوجل : (الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يجعلهم دركات بعضها أسفل بعض ؛ كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥].
والثاني : يحتمل أن يجعل بعضهم على بعض مقرنين في الأصفاد.
(فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) قيل : يجمعه جميعا بعضهم على بعض».
ومن الثاني ما جاء في تفسيره لصدر الآية المذكورة (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) حيث قال : «جعل الله تعالى الخبيث مختلطا بالطيب في الدنيا في سمعهم وبصرهم ونطقهم وجميع جوارحهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وجميع منافعهم من الغنى والفقر وأنواع المنافع ، جعل بعضهم ببعض مختلطين في الدنيا ... لكنه ميز بين الطيب والخبيث في الآخرة بأعلام ، يعرف بتلك العلامات الخبيث من الطيب ، من نحو ما ذكر في الطيب قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ).
ويلفت النظر في تفسير الماتريدي بالرأي أنه يتوخى المعاني القريبة من ظاهر الآية ، فهو لا يوغل في التأويل كما يفعل المتصوفة في تفسيراتهم ولا يقف عند حدود ظاهر النص كما يفعل الظاهرية ، بل إن الماتريدي ينظر في الآيات نظرة فاحصة معتدلة ، ويتجه إلى المعاني التي تحتملها الآيات ولا تخرج بها عن المراد منها.
القضية الثانية : طريقة الماتريدي في التفسير :
نستطيع من خلال ما عرضناه من مصادر الماتريدي في التفسير ومن خلال تأمل التفسير الذي بين أيدينا أن نتلمس بعض الخطوط العامة لمنهج الماتريدي في التفسير.