إن منهج الماتريدي منهج متميز متفرد ، فقد اختط لنفسه طريقة خاصة ، وأسلوبا متميزا ، وهي طريقة تتميز بالشمولية ، وأسلوب يتسم بالوضوح ، فهو يقوم باستقصاء الآية من كافة وجوهها ، ويعرض المعنى الذي يريد إبرازه في وضوح ويسر ، يفهمه القارئ العادي فضلا عن المتخصص وكأننا أمام تفسير حديث ، وليس تفسيرا كتب في القرن الرابع الهجري.
وهذه الطريقة تتميز عن طريقة المفسرين السابقين ، من وجوه يمكن استخلاصها مما سبق :
الأول : أن التفاسير السابقة كانت تقوم ـ في مجملها ـ على الرواية ، بمعنى أن هذه التفسيرات تندرج تحت ما يعرف ب «التفسير بالمأثور» ، لكن الماتريدى يجمع بين الأمرين جميعا.
الثاني : أن التفاسير السابقة كانت تعتمد على السنة عند إيراد المرويات ، سواء كانت هذه المرويات أحاديث عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أم أقوالا للصحابة ، أو حتى أقوالا لمفسري التابعين ، فالمفسر كان يأتي بالسند كاملا حتى يرفع الخبر أو الأثر المروي إلى قائله ، وخير مثال على ذلك تفسير ابن جرير الطبري.
ولم يقتصر الأمر على التفاسير المتقدمة وحسب ، بل إن تفسيرا كتفسير القرآن العظيم لابن كثير المكتوب في القرن الثامن الهجري ، يقوم على هذه الطريقة ، فنجد السند والعنعنات.
وهذا بخلاف تفسير تأويلات القرآن الكريم للماتريدي الذي تخلى عن ذكر السند في نقله للمرويات ، سواء كانت من السنة أو من غيرها ، حتى أننا نجده أحيانا يهمل حتى القائل المباشر للرواية ، فيقول : «قال بعضهم» أو : «قيل» ، وهكذا.
وهذه الطريقة هي التي نجدها في تفسيرات المحدثين ، وهي تناسب عصر الناس هذا ، وكان الماتريدي سابقا إليها قبل المحدثين بقرون متطاولة.
الثالث : أن تفسير الماتريدي ـ كما قلنا ـ شامل وعام ، فنجد فيه : المسائل الاعتقادية ، والمسائل الفقهية ، ومضمون الآية ، بخلاف التفسيرات السابقة ، بل وأحيانا اللاحقة التي يكون من همها التركيز على جانب واحد من جوانب هدايات القرآن المتعددة ، فنجد مفسرا ينصب اهتمامه على مسائل اللغة ، ومفسرا آخر ينصب اهتمامه على مسائل الفقه ، وبعضهم على مسائل الاعتقاد ، وهكذا.