سنتعرض لكل واحدة منهما بشيء من التفصيل.
أولا : الدولة الصفارية (٢٥٤ ـ ٢٩٠ ه):
قامت الدولة الصفارية على أنقاض الدولة الطاهرية ويرجع تأسيسها إلى يعقوب بن الليث الصفار (٢٥٤ ـ ٢٦٥ ه) ، الذي اتخذ من سجستان مركزا لانطلاقها. وتقع سجستان في أقصى الشرق من إيران وتسمى أيضا «نيمروز» وهي كلمة فارسية تعني «نصف يوم» أي أنها بخيراتها وثرواتها تساوي نصف ما تطلع عليه الشمس ، وهذا على سبيل المبالغة لا الحقيقة (١).
وقد انضم يعقوب إلى أحد قادة المطوعة ويدعى صالح بن النضر في ثورته على والي سجستان إبراهيم القوسي ؛ لظلمه واستبداده ، فتمكنوا من خلعه والاستيلاء على سجستان سنة ٢٣٧ ه (٢).
والمطوعة جماعات عسكرية تعمل على حماية سجستان وفارس وكرمان من الفوضى التي تعرضت لها إثر ثورات الخوارج.
لم يكن صالح بن النضر أحسن حالا من الوالي السابق من قبل الطاهريين ، فبغى على الرعية ولم يسر فيهم سيرة العدل التي كانوا يرجونها منه ، فشكوه إلى يعقوب وأغروه بأن يتولى عليهم بدلا منه ، فاستجاب لهم واستطاع أن يتخلص من صالح بن النضر ، وأخذ يعمل على توطيد ملكه وتدعيم مركزه بالقضاء على المتمردين والمنشقين عليه ، فحارب الخوارج الذين رفضوا الدخول في طاعته وقتل كثيرا منهم حتى كاد أن يفنيهم ، وأذاع أنه يحارب الخوارج عن أمر الخليفة العباسي (٣).
ولم يكتف يعقوب بحكم سجستان بل مد نفوذه إلى بوشنج وهراة وما والاها ، واحتل نيسابور التي كان يحكمها الطاهريون ، وضم إليه بلاد فارس وخراسان ، وكرمان ، والسند ، وطبرستان ، والري ، وقزوين وأذربيجان وجنديسابور ، والأهواز ، حتى لقد هدد بغداد نفسها سنة ٢٥٧ ه ، فأسس بذلك ملكا عريضا في شرق الدولة الإسلامية (٤).
__________________
(١) ينظر : ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، القاهرة ١٩٠٦ (١ / ٣٦٨).
(٢) ينظر : وفيات الأعيان ، ابن خلكان (٨ / ٥٠٨).
(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، دار الكتاب العربي ، بيروت (٧ / ١٨٥) ، وينظر أيضا : اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ، النجف ١٣٥٨ ه ص (٢١٩).
(٤) ينظر : عصام عبد الرءوف الفقي ، الدولة الإسلامية المستقلة في الشرق ، دار الفكر العربي ١٩٨٧ م ، ص (٨ ـ ٩).