فراشه منيّا فهو على الاختلاف ، وكان يقيسه على ما ذكرنا من المسألتين. وجه قول أبي يوسف أن المذي يوجب الوضوء دون الاغتسال ، ولهما ما روى إمام الهدى الشيخ أبو منصور الماتريدي بإسناده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا رأى الرجل بعد ما ينتبه من نومه بلة ، ولم يذكر احتلاما اغتسل ، وإن رأى احتلاما ، ولم ير بلة فلا غسل عليه» (١) ، وهذا نص في الباب» (٢).
وفي تفسير قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الآية ، نقل أبو حيان عن الماتريدي قوله : «في الآية دليل على أن المال كله للذكر ، إذا لم يكن معه أنثى ؛ لأنه جعل للذكر مثل ما للأنثيين ، وقد جعل للأنثى النصف إذا لم يكن معها ذكر ، بقوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) فدل على أن للذكر حالة الانفراد مثلي ذلك ، ومثلا النصف هو الكل. انتهى» (٣).
رابعا : تأثير الماتريدي في علوم اللغة :
لم يكن تأثير الماتريدي كبيرا في علوم اللغة ؛ نظرا ؛ لأنه كان لا يعتمد عليها في تفسيره كثيرا ، ومع هذا لا نعدم نقلا عنه هنا أو هناك في هذا المجال ؛ ومن ذلك ما جاء في التلويح عند الكلام عن قول الله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] : «ذهب الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي ـ رحمهالله ـ إلى أن هذا مجاز عن سرعة الإيجاد ، والمراد التمثيل لا حقيقة القول».
وخلاصة ما سبق أن الماتريدي كان له فضل على لاحقيه لا ينكر ، وأن أثره ممتد ومتشعب في مجالات شتى من العلوم : علم الكلام ، والفقه ، واللغة ، والتفسير ، وغيرها ؛ مما يدل على موسوعية هذا العالم الجليل وفضله الذي لا ينكر في خدمة الإسلام وعلومه.
* * *
__________________
(١) أخرجه أحمد (٦ / ٢٥٦) والترمذي (١ / ١٥٤ ـ ١٥٥) كتاب الطهارة باب فيمن يستيقظ فيرى بللا (١١٣) وأبو داود (١ / ١١١) كتاب الطهارة باب في الرجل يجد البلة في منامه (٢٣٦) وابن ماجه (١ / ٤٨٥) كتاب التيمم باب من احتلم ولم ير بللا (٦١٢) وأبو يعلى (٤٦٩٤) من حديث عائشة بلفظ : «إذا استيقظ أحدكم من نومه فرأى بللا ولم ير أنه احتلم اغتسل وإذا رأى أنه قد احتلم ولم ير بللا فلا غسل عليه».
(٢) بدائع الصنائع (١ / ٣٧).
(٣) البحر المحيط (٣ / ١٩٠) وينظر : (٣ / ٣٤٥).