والثانى : أن الله تعالى حقيق بذلك ؛ إذ لا عيب يمسّه ، ولا آفة تحل به فيدخل نقصان فى ذلك. ولا هو خاصّ بشيء. والعبد لا يخلو عن عيوب تمسّه ، وآفات تحل به ، ويمدح بالائتمار ، ويذم بتركه. وفى ذلك تمكن النقصان ، وحق لمثله الفزع إلى الله ، والتضرع إليه ؛ ليتغمده برحمته ، ويتجاوز عن صنيعه.
وعلى ذلك معنى التكبير ، نحمد به ربنا ولا نحمد غيره ؛ إذ ليس للعبد معنى يستقيم معه تكبّره ، إذ هم جميعا أكفاء من طريق المحبّة ، والخلق ، وما أدرك أحد منهم من فضيلة أو رفعة فبالله أدركه ، لا بنفسه ؛ فعليه تنزيه الرب ، والفزع إليه بالشكر ، لا بالتكبر على أمثاله. والله عن هذا الوصف متعال.
ويحتمل أن يكون قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على إضمار الأمر ، أى : قولوا : الحمد لله ؛ لأن الحمد يضاف إلى الله ، فلا بد من أن يكون له علينا ؛ فأمر بالحمد لذلك.
ثم يخرج ذلك على وجهين :
أحدهما : ما روى عن ابن عباس (١) ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «الحمد لله : أى الشكر لله بما صنع إلى خلقه» (٢).
فيخرج تأويل الآية على هذا ؛ لأنه ـ على هذا الترتيب ـ على الأمر بتوجيه الشكر إليه ، وذلك يتضمن الأمر أيضا بكل الممكن من الطاعة على ما روى عن النبى ـ عليهالسلام ـ «أنّه صلّى حتّى تورّمت قدماه فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا» (٣)!.
__________________
(١) هو : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشى ، أبو العباس حبر الأمة الصحابى الجليل ، ولد بمكة سنة (٣ ق ه) وشهد مع الإمام على (الجمل وصفين) وعن أبى وائل قال : استعمل ابن عباس على الحج فخطب خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا. وقال أبو بكر : قدم ابن عباس علينا بالبصرة وما فى العرب مثله جسما وعلما وبيانا وجمالا وكمالا ، وينسب إليه كتاب فى تفسير القرآن جمعه بعض أهل العلم من مرويات المفسرين عنه فى كل آية ، توفى بالطائف سنة ٦٨ ه فى أيام الزبير ، وكان ابن الزبير قد أخرجه من مكة إلى الطائف فمات بها وهو ابن سن ٧٠ ، وقيل : ابن ٧١ سنة ، وقيل : ٧٤ سنة ، رحمهالله. راجع : الإصابة (٤ / ٩٠ / ت ٤٧٧٢) ، صفة الصفوة (١ / ٣١٤) ، الاستيعاب (٢ / ٣٨٣ / ت ١٥٩٣) ، طبقات الفقهاء للشيرازى ص (١٨) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٢٢٤) ، أسد الغابة (٣ / ١٩٢) ، حلية الأولياء (١ / ٣١٤) ، تذكرة الحفاظ (١ / ٣٤) ، تاريخ الخميس (٢ / ٣٤٥) ، معالم الإيمان (١ / ١٠٧) ، تاريخ الإسلام (٣ / ٣٠) ، مفتاح دار السعادة (٢ / ١٣ ـ ١٤).
(٢) أخرجه ابن جرير ، وابن أبى حاتم عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٣٤).
(٣) أخرجه البخارى (٩ / ٥٥٨) كتاب التفسير ، باب قوله :(«ليغفر الله لك ...») الآية (٤٨٣٦) ، ومسلم (٤ / ٢١٧١) ، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، باب إكثار الأعمال والاجتهاد فى العبادة (٧٩ / ٢٨١٩) ، وعبد الرزاق (٤٧٤٦) ، والحميدى (٧٥٩) ، وأحمد (٤ / ٢٥١ ، ٢٥٥) ، والترمذى (١ / ٤٣٧) ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء فى الاجتهاد فى الصلاة (٤١٢) ، وابن ماجه (٢ / ٥٣١) ، كتاب ـ