ومهادنتهم ، فوثق به الخلفاء العباسيون حتى عهدوا إليه بولاية شرطة بغداد بالإضافة إلى حكم ولايات خراسان وفارس وأصبهان وسجستان والسند وكرمان ، فقوي نفوذه واستقر ملكه (١).
وقد اتبع عمرو بن الليث نظاما دقيقا في مراقبة عماله وقواده ، ورتب موارد دولته وعمل على تنميتها وزيادتها (٢).
ولم يقنع عمرو بما استقام له من ملك ونفوذ على كثير من الولايات والممالك ، فطمع في بلاد ما وراء النهر التي كانت تحت حكم الدولة السامانية.
والحق أن الخلافة العباسية هي التي أغرت عمرو بحرب السامانيين ؛ إذ أرسلت إليه تفويضا بحكم بلاد ما وراء النهر ، وفي الوقت نفسه كتبت إلى الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني سرّا تدعوه إلى حرب الصفار وتعده بتوليته على ما تحت يديه من بلاد (٣).
ويقول ابن الفقيه موضحا هذه الخطة : «كتب المعتضد إلى الصفار يأمره أن يطلب إسماعيل بن أحمد ، وأنه قد ولاه عمله ، وكتب إلى إسماعيل بمثل ذلك» (٤).
وكان أن رفض الأمير إسماعيل الساماني تسليم بلاد ما وراء النهر ، وكتب إلى عمرو بن الليث قائلا : «إنك قد وليت دنيا عريضة ، وأنا في يدي ما وراء النهر ، وأنا في ثغر ، فاقنع بما في يدك ، واتركني مقيما بهذا الثغر» (٥).
وأسفر الصراع بين الجانبين عن هزيمة عمرو بن الليث الصفار ووقوعه في الأسر سنة ٢٨٧ ه ، وعامله الأمير الساماني معاملة كريمة ، وخيره بين البقاء عنده أو إرساله إلى الخليفة فاختار السير إلى المعتضد ، ولكن الخليفة أمر أن يشهر به ويلقى في السجن ثم قتله سنة ٢٨٩ ه (٦).
وقد تولى إمارة الدولة الصفارية ـ بعد عمرو بن الليث ـ طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث وكان صغيرا لاهيا عابثا ، فغلب عليه السبكري ـ غلام عمرو بن الليث ـ فاستبد
__________________
(١) ينظر : الطبري ، تاريخ الأمم والملوك (٩ / ٥٤٥).
(٢) ينظر : عصام عبد الرءوف ، الدول الإسلامية المستقلة في الشرق ص ١٠.
(٣) ينظر : محمد عبد الحميد الرفاعي ، الخلافة العباسية والحركات الاستقلالية بالمشرق ص ١٤٨ ، ١٤٩.
(٤) ينظر : ابن الفقيه ، مختصر كتاب البلدان ، ليدن ١٩٦٧ ، ص ٣١٢.
(٥) ينظر : الطبري ، تاريخ الأمم والملوك (١٠ / ٧٦).
(٦) ينظر : عبد الحميد الرفاعي ، الخلافة العباسية والحركات الاستقلالية بالمشرق ص ١٤٩.