__________________
ـ باللسان كما فى قوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) وقوله عزوجل : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ) الآية فقد ثبت بهاتين الآيتين أن الإيمان ليس هو التصديق باللسان وإلا لما نفى عن هؤلاء المذكورين فى الآيتين.
والجواب على الدليل الثانى : أنه لا نزاع فى كون المتلفظ بكلمة الشهادتين مؤمن لغة ، كما أنه لا نزاع فى أن إيمانه هذا تترتب عليه الأحكام الشرعية ، والنزاع فى كون مثل هذا المتلفظ الذى لم يصدق بقلبه مؤمنا حقا ؛ فأنتم تقولون إنه مؤمن حقا وإن كان غير ناج ، ونحن نقول إنه غير مؤمن حقا ، بل إيمانه ظاهرى فقط. ما داموا يشترطون التصديق القلبى لإجراء الأحكام الأخروية فمن لم يصدق بقلبه وأقر بلسانه لا يدخل الجنة عندهم وكذا على مذهب الجمهور وإنما غلط الكرامية فى تسمية مثل هذا مؤمنا حقا ، وطبعا هم لا يقولون بكفر من منعه مانع من الإقرار وإن كان لازما لمذهبهم.
أدلة المعتزلة : استدل المعتزلة لمذهبهم بأربعة أدلة :
الدليل الأول : أن فعل الواجبات هو الدين ؛ لقوله سبحانه وتعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).
فإن قوله : (وَذلِكَ) يعود على ما أمر به من الواجبات السابقة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ؛ فدل ذلك على أن فعل الواجبات هو الدين.
وإذا ثبت هذا : فإن الدين هو الإسلام ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ، وكذلك فإن الإسلام هو الإيمان لقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) فلو كان الإيمان غير الإسلام لما قبل من مبتغيه مع أنه يقبل منه قطعا ، فثبت من هذا كله أن فعل الواجبات مساو للدين والدين مساو للإسلام والإسلام مساو للإيمان. إذن ففعل الواجبات مساو للإيمان. والجواب عن هذا الاستدلال أن اسم الإشارة (وَذلِكَ) راجع إلى الإخلاص المذكور قبله فى الآية فبطل بذلك قولهم : (إن فعل الواجبات هو الدين) ، وبطل بالتالى ما أدى إليه من القول بأن فعل الواجبات هو الإيمان ، ويؤيد رجوع اسم الإشارة إلى الإخلاص أنه مفرد فرجوعه إلى مفرد أولى من رجوعه إلى المأمور به من الطاعات لأنها متعددة ، وأيضا فهذه الطاعات مؤنثة واسم الإشارة مذكر.
الدليل الثاني : استدل المعتزلة ثانيا بقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) أى صلاتكم إلى بيت المقدس ، فدلت الآية على أن الصلاة إيمان أى جزء منه.
يجاب عن هذا الاستدلال بأن المراد تصديقكم بوجوبها ، والمعنى : وما كان الله ليضيع تصديقكم بوجوب الصلوات الخمس التى توجهتم بها إلى بيت المقدس.
ولو سلم جاز أن يكون ذلك مجازا من باب إطلاق الإيمان على ما يدل عليه من الصلاة ، والمجاز أولى من النقل الذى هو لازم مذهبكم ، إذ الإيمان معناه فى اللغة التصديق ، فإذا كان المراد منه الصلاة فقد نقل من معناه اللغوى إلى معنى آخر.
الدليل الثالث : قوله ـ عزوجل ـ فى قاطع الطريق : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) فقد دل بذلك على أن قاطع الطريق ليس بمؤمن ؛ لأن المؤمن لا يخزى ؛ لقوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ويؤيد هذا الدليل قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يزنى الزانى وهو مؤمن» فدل ذلك على أن ترك المنهيات من الإيمان.
والجواب أن عدم الإخزاء فى هذا اليوم خاص بالنبى وأصحابه فلا يعم المؤمنين جميعا وليس فى الصحابة قاطع طريق ، ويصح أن يكون قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) مستأنفا خبره (يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) وحينئذ جاز أن يكون المؤمن مخزيا لأن عدم الإخزاء على هذا خاص بالنبى. ـ