والكراميّة يقولون : بل هم مؤمنون.
وقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا).
لا يقصد أحد مخادعة الله ، لكنهم كانوا يقصدون مخادعة المؤمنين ، وأولياء الله ، فأضاف الله عزوجل ذلك إلى نفسه ؛ لعظم قدرهم ، وارتفاع منزلتهم عند الله ؛ وهو كقوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] ، والله لا يحتاج أن ينصر ، ولكن كأنه قال : إن تنصروا أولياء الله ينصركم ؛ وهو كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] والله لا يبايع ، ولكن إضافة ذلك إلى نفسه ؛ لعظم قدر نبيه ، وعلو منزلته عند الله تعالى ، فكذلك الأول أضاف مخادعتهم أولياءه إلى نفسه لعلو منزلتهم عند الله وقدرهم لديه.
والمخادعة هو فعل اثنين ؛ لخداع هؤلاء بحضور المؤمنين ؛ لذلك المعنى ذكر المفاعلة. والله أعلم.
وقوله : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ).
الأول : أى حاصل خداعهم ، ووباله يرجع إليهم.
والثانى : أنهم يظهرون لهم الموافقة ليأمنوا ، فلحقهم خوف دائم بذلك الخداع فى الدنيا.
وقوله : (وَما يَشْعُرُونَ).
الأول : أى : ما يشعرون أن حاصل الخداع يرجع إليهم فى الآخرة.
والثانى : ما يشعرون أن الله يظهر ، ويطلع نبيه على ما أضمروا هم فى قلوبهم ، والله أعلم.
وقوله : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).
يقال (١) : شك ونفاق ؛ سمّى عزوجل المنافقين مرضى ؛ لاضطرابهم فى الدين ؛ لأنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين بالقول ، ويضمرون الخلاف لهم بالقلب ؛ فكان حالهم كحال المريض الذى هو مضطرب بين الموت والحياة ؛ إذ المريض يشرف ـ ربما ـ على الموت ، ويرجو الإقبال عليه منه ثانيا ؛ فهو مضطرب بين ذلك ، فكذلك هم ، لما كانوا مضطربين فى دينهم سماهم مرضى.
__________________
(١) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ٥٠).
وأخرجه ابن جرير (٣٢٢ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤) عن ابن عباس بنحوه ، وكذا أيضا عن قتادة (٣٢٦) ، وأنس (٣٢٧) ، وعبد الرحمن بن زيد (٣٢٥ ، ٣٢٨) وانظر الدر المنثور (١ / ٦٧ ، ٦٨).