[البقرة : ٦] غير أن هذه فى المنافقين والأولى فى الكفرة.
وهى تنقض على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يقدر أن يستنقذهم فى حال الاختيار ، وإنما يقدر الاستنقاذ منهم فى حال الاضطرار ، فأخبر عزوجل : أنه يستنقذهم على فعل الطغيان.
وقوله : (وَيَمُدُّهُمْ) أى : يخلق فعل الطغيان فيهم.
ويحتمل : أن يخذلهم ويتركهم لما اختاروا من الطغيان إلى آخر عمرهم.
ويحتمل : أنه لم يهدهم ولم يوفقهم.
وفى هذا إضافة المد إلى الله. وإضافة المد على الطغيان لا يضاف إليه إلا لمدح ، والمدح يكون بالأوجه الثلاثة التى بينا ، وفى هذا أنه إذا كان هو الذى يمدهم فى الطغيان قدر على ضده من فعل الإيمان ؛ فدل أن الله خالق فعل العباد ؛ إذ من قولهم : إن القدرة التامة هى التى إذا قدر على شىء قدر على ضده.
والعمه : الحيرة فى اللغة.
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى).
أى : اختاروا الضلالة على المدعو إليه ـ وهو الهدى ـ من غير أن كان عندهم الهدى ، فتركوه بالضلالة.
وهو كقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [البقرة : ٢٥٧] من غير أن كانوا فيه ، فكذلك الأول ، تركوا الهدى بالضلالة ابتداء.
وقيل : الضلالة : الهلاك ؛ أى : اختاروا ما به يهلكون على ما به نجاتهم ، وإن كانوا لا يقصدون شراء الهلاك بما به النجاة ؛ كقولهم : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة : ١٧٥] لا يقدر أحد أن يصبر على النار ، ولكن فما أصبرهم على عمل يستوجبون به النار.
وكذلك قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ٩٠] أى : بئسما اختاروا ما به هلاك أنفسهم على ما به نجاتهم.
وفى هذه الآية دلالة جواز البيع بغير لفظة البيع ؛ لأنهم ما كانوا يتلفظون باسم البيع ، ولكن كانوا يتركون الهدى بالضلالة.
وكل من ترك لآخر شيئا له ببذل يأخذه منه فهو بيع وإن لم يتكلموا بكلام البيع.
وكذلك قوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ...) الآية [التوبة : ١١١]. وهو على بذل الأموال والأنفس له بالموعود الذى وعد لهم ، وهو الجنة.