المكر ، يحمل على الجزاء ؛ لما لا يجوز إضافة المكر والخداع والاستهزاء مبتدأ إلى الله ؛ لأنه مذموم من الخلق إلا على المجازاة ، فكيف من الله عزوجل؟!
وقال بعضهم : يجوز إضافة الاستهزاء إلى الله ، وإن كان لا يجوز من الخلق أن يستهزئ بعضهم من بعض ، كالتكبر ، يجوز لله ولا يجوز للخلق ؛ لأن الخلق أشكال بعضهم لبعض وأمثال ، والله ـ عزوجل ـ لا شكل له ولا مثل.
وكذلك الاستهزاء يجوز له ، ولا يجوز لغيره ؛ لأن الاستهزاء هو الاستخفاف ، فلا يجوز أن يستخف ممن هو مثله فى الخلقة ، وما خلق له من الأحداث والغير ، والله تعالى يتعالى عن ذلك. والأول أقرب ، والله أعلم.
أو أضاف استهزاء المؤمنين بهم إلى نفسه كما ذكرنا فى المخادعة.
ثم اختلف فى كيفية الاستهزاء :
فقال الكلبى (١) : هو أن يفتح لهم باب من الجنة فيدنون منه ، ثم يغلق دونهم. فإن ثبت ذا فهو كما قال.
وقيل : إنه يرفع لأهل الجنة نور يمضون به ، فيقصد أولئك المضى معهم بذلك النور ، ثم يطفأ ذلك النور ؛ فيتحيرون وهو قولهم : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) [الحديد : ١٣].
وقيل : أن يعطى لهم فى الدنيا ما ينتفعون به من أنواع النعم ظاهرا على ما أظهروا لهم الموافقة فى العلانية ، ويحرم لهم ذلك فى الآخرة بإضمارهم الخلاف لهم فى السر.
وقوله : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
الآية فى قوم علم الله أنهم لا يؤمنون ؛ كقوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)
__________________
(١) ذكره السيوطى فى الدر المنثور (١ / ٦٩) وعزاه للبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس بنحوه ، انظر تفسير البغوى (١ / ٥٢).
وهو : دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج ، بفتح المعجمة وسكون الزاى ثم جيم ، ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف الكلبى صحابى مشهور ، أول مشاهده الخندق وقيل : أحد ، ولم يشهد بدرا ، وكان يضرب به المثل فى حسن الصورة ، وكان جبريل عليهالسلام ينزل على صورته ، جاء ذلك من حديث أم سلمة ، ومن حديث عائشة ، وروى النسائى بإسناد صحيح ، عن يحيى بن معمر ، عن ابن عمر رضى الله عنهما : كان جبرائيل يأتى النبى صلىاللهعليهوسلم فى صورة دحية الكلبى ، وروى الطبرانى من حديث عفير بن معدان ، عن قتادة ، عن أنس ـ أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «كان جبرائيل يأتينى على صورة دحية الكلبى» وكان دحية رجلا جميلا ، شهد دحية اليرموك ، وكان على كردوس وقد نزل دمشق وسكن المزة ، وعاش إلى خلافة معاوية. ينظر الإصابة (٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٣) ، أسد الغابة ت (١٥٠٧) ، والاستيعاب ت (٧٠٠) ، سير أعلام النبلاء (٢ / ٥٥٠).