غيره ، وبه يقول حسين النجار (١).
وأبى قوم ذلك إلا على أثر أحوال تصرف فهم السامع إلى معنى الاستهزاء ، نحو أن يذكر على أثر فعل له جزاء ؛ فيفهم منه جزاء الاستهزاء كذكر السيئة فى الجزاء ، والمكر ونحو ذلك.
ثم يخرج ما نحن فيه على أوجه :
أحدها : ما بينا.
والثانى : ما ينسب إليه فعل المأمور ، نحو قول المؤمنين للمنافقين فى الآخرة : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) [الحديد : ١٣] وقول أهل الجنة ، ودعائهم أهل النار بالخروج ، لو ثبت ما ذكره الكلبى ، وقول الملائكة : (فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) [غافر : ٥٠] وغير ذلك.
وقوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ١٩ ـ ٢٠].
ثم ما ذكر من «الظلمات» يخرج على وجوه ثلاثة :
أحدها : ظلمات كفرهم بقلوبهم ؛ إذ أظهروا الإيمان أولا.
والثانى : المتشابه فى القرآن ، وهو الذى تعلق به كثير من المشركين حتى نزول (٢) قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ...) الآية [آل عمران : ٧].
والثالث : ما فى الإسلام من الشدائد ، والإفزاع من الجهاد ، والحدود وغير ذلك.
وأمكن صرف الأول ، والآخر إلى الفريقين : الكافر ، والمنافق ، وصرف تأويل المتشابه إلى الكافر.
على أنا بيّنا أن لكلّ من ذلك حظّا ، ويدل آخر الآية ـ وهو قوله : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) ـ على أن المثل لهم ، إلا أن المنافق شريكهم فى الكفر ، والله الموفق.
وجائز أن يكون المثل المضروب بالآية إنما هو للقوم الذين شهدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنهم كانوا قبل بعثه صنفين :
__________________
(١) هو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله النجار ، من علماء الكلام الذى يقول بالجبر ، كان حائكا وقيل يعمل فى صناعة الموازين ، وكان إذا تكلم سمع له صوت كصوت الخفاش ، وله مع النظام المعتزلى مجالس ومناظرات ، وإليه تنسب فرقة النجارية ، ينظر : الفهرست (٢٦٨) ، ومقالات الإسلاميين (١ / ٣١٥) ، والملل والنحل (١ / ٨٨) ، والتبصير (٦١).
(٢) فى أ : نزل.