وحياته لم ينتفع بنور الآخرة وجزائها.
وكذلك الذى ذهب عنه ضوء البرق يبقى متحيرا ؛ إذ به يبصر الطريق كمن يذهب عنه بصر القلب ؛ إذ به يبصر عواقب الأشياء.
بل الذى قصد السلوك بالبروق ، والاستضاءة بنور النار ، إذا ذهب كان أعظم حسرة وأشد خوفا من النار ، وشدة المطر ، وخبث الطريق من الذى لم يعرف ـ فى الابتداء ـ نفع النار أو البرق ، ويكره المطر على شدة رغبته فيه ، والنار بما ذهب منه.
وكذلك المنافق فى الآخرة إن لم يكن منه ما أظهر إذ به يرد إلى درك الأسفل ، ولا قوة إلا بالله.
وكذلك الكافر لم يبصر ـ بما أعطاه من البصر ـ عواقب البصر الظاهر ، ولا يسمع ـ بما أنعم عليه من السمع ـ عواقب السمع ؛ إذ حق ذلك أن يؤدى ذلك ما أدركه إلى العقل ليعتبر به أنه لم يخلق شىء من ذلك بالاستحقاق ، ولا يحتمل عقله الإحاطة بكنه ما فيه من الحكمة ، فيعلم عظم نعمة الله وخروج مثله عن العبث ، فيقوم بأداء شكره ؛ وبذلك يصير به إلى الجزاء فى العواقب ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله عزوجل : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ).
يحتمل وجهين :
أحدهما : صم ؛ لأنه ختم على آذانهم ، وعلى سمعهم ، وعلى قلوبهم ؛ فلا يسمعون ، ولا يبصرون ، ولا يعقلون.
ويحتمل : أنهم صم بكم عمى ؛ لما لم ينتفعوا بأسماعهم ، وأبصارهم ، وقلوبهم.
ثم اختلف فى جواز إضافة لفظ «الاستهزاء» إلى الله تعالى :
فأجازه قوم ، وإن كان ذلك قبيحا من الخلق ؛ لما قبح منهم بما لا أحد يستهزئ بأحد ـ إما لجهله ، أو لقبح فى الخلقة ، أو لزيادة فى الخلق ـ إلا والمستهزئ نحو هذه قد يحتمل ذلك لو لا إنعام الله عليه الذى قد أغفل عنه ، أو لدناءة فى الخلق باشتغاله بما ذكر ، مع ما لعل الإغفال من هذا أوحش ، وأقبح من حال المستهزأ به.
ولذلك قال عزوجل : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ...) الآية [الحجرات : ١١].
وذلك نحو التكبر : أنه قبيح من الخلق ، بما لهم أشكال فى الحدث ، وآثار الصنعة ، واحتمال كل منهم بما احتمل غيره.
وجائز إضافته إلى الله تعالى ، لتعاليه عن الأشباه والأشكال ، وإحالة احتمال ما احتمل