(فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) [طه : ٨٦].
وقوله : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ).
يحتمل وجهين :
(اتَّخَذْتُمُ) : أى عبدتم ؛ فاستوجبوا ذلك التعبير واللائمة بعبادة العجل لا باتخاذه نفسه.
ويحتمل : اتخذتم العجل إلها ؛ فاستوجبوا ذلك باتخاذهم إلها ، كقوله : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) [الأعراف : ١٤٨].
وهذا كان أقرب.
وقيل : اتخذتم ، أى : صنعتم ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ).
قيل فى الظلم بوجوه :
قيل : إن كل فعل يستوجب به الفاعل عقوبة فهو ظلم.
وقيل : إن كل عمل لم يؤذن له فهو ظلم.
وهاهنا ـ حيث فعلوا ما لم يؤذن لهم ـ نسبهم إلى الظلم ؛ لأنهم ظلموا أنفسهم.
وقيل (١) : إن الظلم هو وضع الشىء فى غير موضعه ؛ فسموا بذلك لأنهم وضعوا الألوهية فى غير موضعها ، وهذا كأنه ـ والله أعلم ـ أقرب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ...) الآية.
ينقض على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يزعمون أن الله إذا علم من أحد أنّه يؤمن به فى آخر عمره ـ وإن طال ـ أو يكون من نسله من يؤمن إلى آخر الأبد ، لم يكن له أن يميته ، ولا له أن يقطع نسله.
فإذا كان على الله أن يبقيهم ، ولا يقطع نسلهم ، لم يكن للامتنان عليهم ، ولا للإفضال وطلب الشكر منهم ـ معنى ؛ إذ فعل ـ جل وعزّ ـ ما عليه أن يفعل. وكل من فعل ما عليه أن يفعل لم يكن فعله فعل امتنان ، ولا فعل إفضال ؛ لأنه ـ عزوجل ـ منّ عليهم بالعفو عنهم ، حيث لم يستأصلهم ، وتركهم حتى تناسلوا وتوالدوا ، ثم وجه الإفضال والامتنان على هؤلاء ـ وإن كان ذلك العفو لآبائهم ؛ لأنه لو أهلك آباءهم وقطع تناسلهم انقرضوا وتفانوا ، ولم يتوالدوا ؛ فالمنّة عليهم حصلت ؛ لذلك طلبهم بالشكر له ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله ابن جرير (١ / ٣٢٣).