__________________
ـ وأما الشفقة الراجعة إلى اختياره فإنها إن وجدت صح له أن يمن على أولاده بها ، ويستحق منهم الشكر على حصولها.
وحالة الأصلح الواجب على الله مثل الشفقة الجبلية ؛ لأن كلا منهما لازم للذات لا يمكن تركه فلا يمن الفاعل ولا يستحق شكرا ، وبذلك تم الدليل.
وهذا الدليل ملزم للبصريين جميعا ؛ لأنه مفروض فى مؤمن هداه الله إلى الإيمان ، فقد فعل الله به الأصلح الواجب على كلا المذهبين.
الدليل الثالث : لو كان الأصلح واجبا على الله لما كان امتنانه على النبى فوق امتنانه على أبى جهل لأن الله ـ عزوجل ـ قد فعل بكل منهما غاية مقدوره بأن عرضهما للنعيم بعد خلقهما وبقائهما سليمين فهما مستويان فى هذا ، والله فعل الواجب عليه فى حقهما فلم يصح أن تكون هناك منة أكثر على النبى ، هذا باطل لأن الله تعالى قد امتن على النبى أكثر بنص القرآن.
وقد نوقش هذا الدليل أولا : بأنه لا لزوم له بعد الدليل الثانى ؛ لأن الدليل الثانى نفى أصل المنة على مقتضى مذهب الخصوم فلا تكون هناك كثرة منة من باب أولى.
ويجاب عن هذه المناقشة بأن هذا الدليل مبنى على تسليم أصل المنة فهو دليل مستقل بغض النظر عن الدليل الثانى.
ونوقش هذا الدليل ثانيا بأن كثرة الامتنان على النبى لكثرة العطاء الواصل إليه من إرساله إلى الخلق وكونه خاتم المرسلين.
ويجاب عن هذه المناقشة بأن الكلام فى الأصلح الواجب عليه من التعريض لأعلى المنزلتين فلا تكون هناك منة ولا كثرة من باب أولى ، يقول الشيخ صالح شرف : ولكن للمعتزلة أن يقولوا : إن هذه الكثرة على الرسالة التى هى غير أصلح لا على التعريض الواجب عليه. والحق أن هذا الدليل لا يتم ، وعلى فرض تمامه هو ملزم لغير الجبائى لأن الجبائى ملزم بخلق نفس أبى جهل.
الدليل الرابع : لو كان يجب على الله تعالى فعل الأصلح لما كان لسؤال العصمة والتوفيق وكشف الضراء والبسط فى الخصب والرخاء معنى ، وهذا باطل ، فبطل ما أدى إليه. وقد نوقش هذا الدليل بما يلى :
أولا : إن قوله (والبسط) زيادة فى الدليل.
ثانيا : إن العصمة ليست من الأصلح الواجب ؛ لأنه على مذهب الجبائى الأصلح الواجب هو الإيمان ، وأما على مذهب جمهور البصريين فالأصلح الواجب هو خلق العبد وبقاؤه سليم الحواس وتعريضه لأعلى المنزلتين ، فالعصمة أمر زائد على الأصل الواجب ؛ فيصح طلبها نعم إن التوفيق الذى هو خلق الهداية فى العبد أصلح للعبد فى دينه فيجب على الله فلا معنى لطلبه لأنه حاصل على مقتضى مذهب الجبائى.
إنه ينبغى ألّا يحتجّ بهذا الدليل على المعتزلة ؛ لأنهم لا يقولون بالدعاء ولا ينفعه ، ومن ثم فإن الاحتجاج عليهم بهذا الدليل هو احتجاج بما لا يسلمونه ، أي : أن المحتج يحتج بما يسلمه هو ويراه صحيحا ، لا ما يراه خصمه ويسلم به. والأولى فى الاستدلال أن يكون بما يسلم به الخصم.
وقد أجيب عن هذه المناقشة بأنه لما ثبت بالدليل القاطع نفع الدعاء ، لزم أن يكون نفعه مذهبا للخصم ولا عبرة بعدم قيام النصوص المؤيدة له بإنكارهم.
الدليل الخامس : استدل أهل السنة كذلك على مذهبهم بأن الأصلح لو كان واجبا على الله لما بقى فى قدرة الله تعالى شىء بالنسبة إلى مصالح العباد ، لأن الله تعالى بذلك يكون قد أتى بالواجب عليه ولا يستطيع أن يفعل خلافه ، وهذا باطل ؛ لما فيه من تحديد القدرة والمقدورات وأن القدرة لا يمكنها أن ـ