وقيل (١) : «بقوة» يعنى : بالطاعة له والخضوع.
ثم احتج بعض المعتزلة بهذه الآية على تقدم القدرة الفعل ؛ لأنه أمرهم ـ عزوجل ـ بالقبول له ، والأخذ والعمل بما فيها.
فلو لم يعطهم قوة الأخذ والقبول له قبل الأخذ له والفعل ، لكان لا يأمرهم بذلك ؛ لأنهم يقولون : لا قوة لنا على ذلك ؛ فدل أنه قد أعطاهم قبل ذلك ، لكنه غلط عندنا ؛ لأنه لو كان أعطاهم القوة قبل الفعل ، ووقت الأمر به ، ثم تذهب عنهم تلك القوة وقت الفعل ـ لكان الفعل بلا قوة ؛ إذ من قولهم : أن القوة لا تبقى وقتين ؛ فدل : أنها تحدث بحدوث الفعل ، لا يتقدم ولا يتأخر ، ولكن يكونان معا.
ولأنها سميت : قدرة الفعل ، فلو كانت تتقدم الفعل ، لم يكن لإضافة الفعل إليها معنى ، والله أعلم.
والأصل فى ذلك : أن الله ـ تعالى ـ قال : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) ومعلوم أن المراد من ذلك الأخذ بقوة الآخذ.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن للأخذ قوة غير التى للترك.
والثانى : أنه ذكر الأخذ بقوة ، فإذا لم تكن معه لم يكن بها أن يرى أن الوقت إذا تباعد لم يحتمل بما تقدم من القوة أوقاتا ؛ فمثله وقت واحد.
وقوله : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
قيل فيه بوجوه :
قيل (٢) : اذكروا ، واحفظوا ما فيه من أمره ونهيه ، ولا تضيعوه ؛ لعلكم تتقون المعاصى والمآثم.
ويحتمل : اذكروا ما فيه من التوحيد والإيمان ؛ لعلكم تتقون الشرك والكفر.
ويحتمل : اذكروا ما فيه من الأحكام والشرائع.
ويحتمل : الثواب والعقاب ، والوعد والوعيد. وكله واحد.
وقوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ).
يعنى : من بعد القبول.
دل هذا على : أنهم كانوا قبلوا ذلك مرة ، قبل أن يأتيهم موسى صلىاللهعليهوسلم بها ؛ فلما أتاهم ـ
__________________
(١) قاله أبو العالية ، أخرجه ابن جرير عنه (١١٢٩).
(٢) قاله القرطبى فى تفسيره (١ / ٢٩٧).