أحدهما : أن هؤلاء لم يعبدوا العجل ، وإنما عبد آباؤهم ؛ فلا معنى لصرف ذلك إلى هؤلاء.
والثانى : لو صرف ذلك إلى آبائهم الذين عبدوا العجل لم يحتمل أيضا ؛ لأنهم قد تابوا ورجعوا عن ذلك ؛ فلا معنى للتعذيب على عبادة العجل بعد التوبة والرجوع إلى عبادة الله ؛ كقوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] ، والله أعلم.
وتصرف الأيام المعدودة إلى العمر الذى عصوا فيه ؛ لما لم يروا التعذيب إلا على قدر وقت العصيان والذنب ، أو لما لم يكونوا يرون التخليد فى النار أبدا ، أو لما هم عند أنفسهم ، كما أخبر الله عنهم ، بقوله : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] ، وكقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨].
يقولون : إنا لا نعذّب أبدا ، إنما نعذّب تعذيب الأب ابنه أو الحبيب حبيبه ؛ يعذّب فى وقت قليل ، ثم يرضى ، ويدخل الجنة.
ولكن عقوبة الكفر أبدا ، والتخليد فيها لا لوقت ، وكذلك ثواب الإيمان للأبد لا لوقت ؛ لأن من اعتقد دينا إنما يعتقده للأبد لا لوقت ؛ فعلى ذلك جزاؤه للأبد لا لوقت.
وأما من ارتكب ذنبا من المسلمين ؛ بشهوة تغلبه فى وقت ، فيرتكبه ، ثم يتركه ـ فإنما يعاقب إن عوقب على قدر ما ارتكب فى وقت ؛ لأنه لم يرتكبه للأبد ؛ لذلك افترقا ، والله أعلم.
وقوله : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ).
والعهد يحتمل : هل عندكم خبر عن الله تعالى بأنكم لا تعذبون أبدا ، ولكن أياما معدودة؟ فإن كان لكم هذا فهو لا يخلف عهده.
والثانى : أتخذتم عند الله عهدا ، أى لكم أعمال صالحة عند الله فوعدكم بها الجنة ، فهو لا يخلف وعده.
أى : ليس لكم واحد من هذين ، لا خبر عن الله بأنه لا يعذبكم ، ولا أعمال صالحة وعد لكم بها الجنة.
وقوله : (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ* بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
هذا إكذاب من الله ـ عزوجل ـ إياهم بذلك القول ، كأنه قال : بل تقولون على الله ما لا تعلمون ؛ ألا ترى أنه قال : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)؟!
يقول : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) يعنى : شركا (وَأَحاطَتْ بِهِ) ، أى : مات عليها.