(قالُوا سَمِعْنا) قولك ، (وَعَصَيْنا) أمرك.
لكن قولهم : (وَعَصَيْنا) لم يكن على أثر قولهم : (سَمِعْنا) ، ولكن بعد ذلك بأوقات ؛ لأنه قيل : لما أبوا قبول التوراة ؛ لما فيها من الشدائد والأحكام ، رفع الله الجبل فوقهم (١) ، فقبلوا ؛ خوفا من أن يرسل عليهم الجبل ، وقالوا : أطعنا ، فلما زايل الجبل ، وعاد إلى مكانه ، فعند ذلك قالوا : (وَعَصَيْنا) ، وهو كقوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) [البقرة : ٦٤] فالتولى منهم كان بعد ذلك بأوقات.
وقوله : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ).
قيل (٢) : أشربوا ، أى : جعل فى قلوبهم حبّ عبادة العجل بكفرهم بالله عزوجل.
وقيل : سقوا حبّ العجل.
وقيل : إن موسى لما أحرق العجل ، ونسفه فى البحر جعلوا يشربون منه لحبهم العجل.
وقيل (٣) : لما أحرق ونسف فى البحر جعلوا يلحسون الماء حتى اصفرت وجوههم.
وقيل : إنهم لما رأوا فى التوراة ما فيها من الشدائد ، قالوا عند ذلك : عبادة العجل علينا أهون مما فيها من الشرائع.
وكله يرجع إلى واحد ، وذلك كله آثار الحب.
وقوله : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
قيل (٤) : قل يا محمد : بئسما يأمركم إيمانكم بالعجل الكفر بالله عزوجل.
وقيل : إن اليهود ادعوا أنهم مؤمنون بالتوراة ؛ فقال : (بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ) أى بالتوراة ؛ إذ كفرتم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقد وجدتم فيها نعته وصفته.
وقوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
وذلك أن أعداء الله ـ تعالى ـ كانوا يقولون : إن الجنة لنا فى الآخرة ، بقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] ، وكقولهم : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [البقرة : ١٣٥] ، وكقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] ؛
__________________
(١) فى أ : عليهم.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١٥٦٤) ، وعن أبى العالية (١٥٦٥) ، والربيع (١٥٦٦).
وانظر الدر المنثور (١ / ١٧٢).
(٣) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه بنحوه (١٥٦٧) ، وعن السدى (١٥٦٨).
(٤) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ٩٥).