لذلك عظّم الله شأنهما ، وشرف أمرهما ، وأعلى منزلتهما ؛ وعلى ذلك قرنهما بالإيمان فى المواضع كلها ، وأثبت بين الخلق الأخوّة بهما بقوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة : ١١].
ثم هما تكرمان بالعقل ؛ لأن الصلاة تجمع جميع أنواع خيرات الأفعال ، وفيها غاية الخضوع له ، والخشوع ـ على ما ذكرنا ـ وذلك مما يوجبه العقل ، وإن لم يرد فيه السمع.
وكذلك الزكاة : فيها تزكية الأنفس وتطهيرها ، وذلك مما فى العقل واجب.
فإن قيل : ما الحكمة فى وجوبها؟
قيل : إظهار ما أنعم الله [على العبد](١) ، من الأموال والسّعة فيها ، وما أعطاهم من سلامة الجوارح عن جميع الآفات ، يخرج مخرج الأمر بأداء شكر ما أنعم عليهم عزوجل.
فإن قيل : ما الحكمة فى وجوبها فيما أعطى منهما ، يعنى من النفس ، والمال دون غيره؟
قيل : لأن الوجوب من غيره يخرج مخرج المعاوضة والمبادلة ، لا مخرج أداء الشكر ، والله أعلم.
ثم الحكمة فى : إيجاب الصلاة والزكاة ، وغيرهما من العبادات أن الله ـ تعالى ـ إذ عمهم بنعمه فيما فضلهم بالجوهر ، وسخر لهم جميع ما فى الأرض ، وبسط عليهم النعم ، حتى صار كل منهم لا يبصر غير نعمه ، من غير استحقاق منهم شيئا من ذلك ـ لزمهم الشكر عليها.
__________________
ـ أنها من حيث هى فريضة أفضل من سائر الصدقات ؛ لأنها تطوعية ، وفى الحديث القدسى : «ما تقرب إلى عبدى بشيء أحب إلى مما افترضته عليه».
ـ أن الصدقة وإنفاق المال فى سبيل الله يطهران النفس من الشح والبخل وسيطرة حب المال على مشاعر الإنسان ، ويزكيه بتوليد مشاعر الموادّة ، والمشاركة فى إقالة العثرات ، ودفع حاجة المحتاجين ، أشار إلى ذلك قول الله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) [التوبة : ١٠٣].
ـ الزكاة تدفع أصحاب الأموال المكنوزة دفعا إلى إخراجها لتشترك فى زيادة الحركة الاقتصادية ، يشير إلى ذلك قول النبى صلىاللهعليهوسلم : «ألا من ولى يتيما له مال فليتجر فيه ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة».
ـ الزكاة تسد حاجة جهات المصارف الثمانية ، وبذلك تنتفى المفاسد الاجتماعية والخلقية الناشئة عن بقاء هذه الحاجات دون كفاية.
ينظر : فتح البارى (٣ / ٢٦٦) ، حجة الله البالغة (٢ / ٣٩ ، ٤٠)
(١) فى ط : عليه.