وعلى ذلك جعلهما شريعة فى الرسل السالفة ، صلوات الله عليهم.
ألا ترى إلى قول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم : ٤٠].
وقوله لموسى وهارون : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) إلى قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [يونس : ٨٧]. وقول عيسى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم : ٣١] ، وقوله : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) [المائدة : ١٢].
وذلك ـ والله أعلم ـ أن الصلاة قربة فيما بين العبد وبين ربه ، تجمع جميع أفعال الخير ، وفيها غاية منتهى الخضوع له ، والطاعة : من القيام بين يديه ، والمناجاة فيه ، والركوع له ، والسجود على الأرض ، وتعفير الوجه فيها حتى لو أن أحدا ممن خلص دينه لله لو أعطى ما فى الدنيا على أن يعفّر وجهه فى الأرض لأحد من الخلق ما فعل ، وبالله التوفيق.
والزكاة فيما بين العبد وبين الخلق ؛ لتآلف القلوب واجتماعها ، وفيها إظهار الشفقة لهم والرحمة (١).
__________________
(١) إيتاء الزكاة كان مشروعا فى ملل الأنبياء السابقين ، قال الله ـ تعالى ـ فى حق إبراهيم وآله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ)[الأنبياء : ٧٣]. وشرع للمسلمين إيتاء الصدقة للفقراء ، منذ العهد المكى ، كما فى قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) [البلد : ١١ ـ ١٦] وبعض الآيات المكية جعلت للفقراء فى أموال المؤمنين حقا معلوما ، كما فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج : ٢٥ ـ ٢٦]. وقال ابن حجر : اختلف فى أول فرض الزكاة : فذهب الأكثرون إلى أنه وقع بعد الهجرة ، وادعى ابن خزيمة فى (صحيحه) أن فرضها كان قبل الهجرة. واحتج بقول جعفر للنجاشى : «ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام» ويحمل على أنه كان يأمر بذلك فى الجملة ، ولا يلزم أن يكون المراد : هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول. قال : ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة ؛ لأن الآية الدالة على فرضيّته مدنية بلا خلاف ، وثبت من حديث قيس بن سعد قال : «أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهانا ، ونحن نفعله».
ويظهر فضل الزكاة من أوجه :
ـ اقترانها بالصلاة فى كتاب الله تعالى ، فحيثما ورد الأمر بالصلاة اقترن به الأمر بالزكاة ، من ذلك قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة : ١١٠] ، ومن هنا قال أبو بكر فى قتال مانعى الزكاة : «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، إنها لقرينتها فى كتاب الله».
ـ أنها ثالث أركان الإسلام الخمسة ؛ لما فى الحديث : «بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت». ـ