العلة فى الذى لا يكون مخلوقا ، أنه ليس هو من عنده لوجب القول بخلقه ما هو من عنده ، ثم لم يقولوا به ؛ فبان أن ما يقولون فاسد ، باطل ، ليس بشيء.
ثم جهة الحسد ما ذكرنا أنهم أحبوا أن تكون الرسالة فيهم ، أو أن يكون من عنده سعة ؛ كقوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) [هود : ١٢] وكقوله : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ؛ فبهذين الوجهين يخرج حسدهم.
قوله : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ).
أى : من قبلها ، لا أن الله ـ تعالى ـ أمرهم. وليس يضاف إلى الله ـ تعالى ـ بأنه من عنده بما يخلق ، ولكن بما يأمر أو يلزم.
ألا ترى أن الأنجاس كلها ، والخبائث ، والشياطين ، كلهم مخلوقة وإن لم يجز نسبتها إلى الله ـ تعالى ـ بمعنى أنه من عنده؟ كذلك ما ذكر من الحسد.
على أنه معلوم أنهم لم يكونوا يدعون من دون الله خلقا فبذلك الوجه ينكر عليهم ، بل كانوا يدعون الأمر فى كل ما نسب إلى الله تعالى ؛ فعلى ذلك ورد العقاب ، والله أعلم.
وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ).
أى : بين لهم فى التوراة أن محمدا صلىاللهعليهوسلم نبى ، وأن دينه الإسلام ؛ كقوله : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦ ، الأنعام : ٢٠].
وقوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ).
يحتمل : النهى عن مكافأة ما يؤذونه فى الدّنيا ، ثم لم ينسخ.
وقيل (١) : فيه نهى عن قتالهم ، حتى يأتى أمر الله فى ذلك ، ثم جاء بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...) الآية [التوبة : ٢٩].
وقيل : حتى يأتى الله بأمره ، أى : بعذابه ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
من التعذيب والانتقام ، وبكل شىء. ولم ينسخ هذا.
وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).
كرر الله ـ عزوجل ـ الأمر بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فى القرآن تكرارا كثيرا ، حتى كانت لا تخلو سورة إلا وذكرهما فيها ـ فى غير موضع ـ وذلك لعظم شأنهما ، وأمرهما ، وعلو منزلتهما عند الله ، وفضل قدرهما.
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨٠٠) ، وعن الربيع (١٨٠١) ، والسدى (١٨٠٣). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٢).