إثبات النكاح إذا كان ثمّ شهود ؛ ولكن فيه نفى النكاح بغير شهود تصريحا.
ألا ترى أن من قال : لا نكاح إلا بشهود ، لا يسأل أن : لم قلت : إن النكاح يجوز بالشهود؟ ولكن يسأل أن : لم قلت : إنه لا يجوز بغير شهود؟ فعلى ذلك قوله : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ليس فيه إثبات الدخول لهم تصريحا ، وفيه نفى دخول غيرهم تصريحا ، والله أعلم.
وقوله : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ).
قد قلنا : إنه خرج مخرج الرد عليهم ، والإنكار لحكمهم على الله ؛ فقال : بل يدخلها من أسلم وجهه لله وهو محسن.
ثم اختلف فى قوله : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ).
قيل (١) : أخلص دينه لله وعمله.
وقيل : أسلم نفسه لله.
وقد يجوز أن يذكر الوجه على إرادة الذات ، كقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] أى : إلا هو.
وقيل : أسلم ، أى : وجه أمره إلى دينه فأخلص. وبعضه قريب من بعض.
أسلم نفسه لله أى بالعبودية ؛ كقوله : (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) [الزمر : ٢٩].
وذلك معنى الإسلام : أن تخلص نفسك لله ، لا تجعل لأحد شركا من عبودة ، ولا من عبادة.
وقوله : (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
قد ذكرنا متضمنها فيما تقدم.
وقوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ).
فإن قيل : كيف عاتبهم بهذا القول ، وقد أمر نبيه ـ عليهالسلام ـ فى آية أخرى أن يقول لهم ذلك : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ)؟ [المائدة : ٦٨].
قيل : إنما أمر نبيه : أن يقول لهم : إنهم ليسوا على شىء إذا لم يقيموا التوراة ، فأما إذا
__________________
ـ سعيد بن يحيى الأموى عن حفص بن غياث ، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبى عن خالد بن الحارث ، وعبد الرحمن بن يونس الرقى عن عيسى بن يونس ، ولا يصح فى ذكر الشاهدين غير هذا الخبر.
(١) قاله الربيع ، أخرجه ابن جرير عنه (١٨١٢). وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٣).