وقوله : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) وما ذكر فيه تذكير من الله عزوجل للخلق ؛ لئلا يجزعوا على ما يصيبهم من أنواع ما ذكر ، من المصائب.
وفى كل نوع ما ذكر من المصائب إضمار «شىء» ، من نحو (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) و (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) والله أعلم ؛ لأن الله عزوجل أخبر فى غير آية من القرآن : أنه خلقهم للموت والفناء ، وأن ما أعطاهم من الدنيا والزينة فيها كله للفناء والفوات بقوله : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك : ٢] وقال : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) (٨) [الكهف]. أخبر أن الدنيا وزينتها للفناء ، فمن عرف أن ذلك كله [لما ذكرنا يحق عليه ما يصيبه من الأمراض والأوجاع والنقص فى الأموال والأنفس وما ذكر إذ ذلك كله](١) دون ما ذكر ، وليعلموا أن ما أعطاهم من الحياة والصحة والسلامة لم يكن أعطاهم لحق لهم ، بل للإفضال والإحسان ، وقد جعل ذلك لمدة لا للأبد ، فكأنها فى غير تلك المدة لغيرهم لا لهم ، فعرفوا به منته لوقت وحقه وقت الأخذ.
ثم يحتمل ما ذكر من الخوف وجهين :
على جهة العبادة من نحو الأمر بمجاهدة العدو والقتال معه.
ويحتمل لا على جهة العبادة ، وكذلك الجوع يحتمل الجوع الذى فيه عبادة ، وهو الصوم. ويحتمل ما يصيبهم من المجاعة فى القحط ما أصاب أهل مكة سنين ، وكذلك قوله : (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) ، يحتمل : (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ) يمتحنهم بأداء الزكاة والصدقة. ويحتمل الهلاك بنفسها ، وكذلك (وَالْأَنْفُسِ) يحتمل الصرف على الوجهين اللذين ذكرتهما. وكذلك (وَالثَّمَراتِ).
ثم لا يحتمل خصوص الامتحان بما ذكر دون غيره ؛ لأنهم كلهم عبيده ، له أن يمتحنهم بأجمعهم بجميع أنواع المحن ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا أنه لما عرفهم أن كل ذلك إنما خلق للفناء ، فالبعض منه كذلك ، ليخف ذلك عليهم. والله أعلم.
ثم أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يبشر الذين صبروا على المصائب التى امتحنهم بها عزوجل ، ولم يجزعوا عليها ، وقالوا : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). فيه الإقرار بوحدانيته عزوجل ، وبالبعث بعد الموت.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط فى أ ، ط.