وقيل (١) : إن هذا الحرف خص به هذه الأمة دون غيرها من الأمم ؛ لأنه لم يذكر هذا الحرف عن الأمم السالفة ؛ ألا ترى أن يعقوب ـ عليهالسلام ـ على كثرة ما أصابه من المحن والمصائب والحزن على يوسف لم يذكر هذا الحرف عنه ، ولكن قال : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ٨٤] ولو كان لهم هذا لظهر منهم على ما ظهر غيره ؛ فدل أنه مخصوص لهذه الأمة. والله أعلم.
وروى عن ابن عباس ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : «من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفا صالحا يرضى به» (٢).
ثم الصبر : هو حبس النفس عن الجزع على ما يفوت ؛ إذ هو كله لله عزوجل مستعار عند الخلق ، والجزع على فوت ما لغيره محال ؛ ألا ترى إلى قوله عزوجل : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [الحديد : ٢٣]. نهانا أن نحزن على ما يفوت عنا ؛ إذ هو فى الحقيقة ليس لنا ، وأن نفرح بما أتانا ؛ إذ هو فى الحقيقة لغيرنا. والله الموفق.
وقوله : (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) ، فهو على إضمار «الشىء» فى كل حرف ، إذ هو بحق العطف على ما تقدم ؛ فكأنه قال : بشيء من الخوف ، وبشيء من الجوع. ولا قوة إلا بالله.
ثم يتوجه ما أخبر من البلوى إلى وجهين :
أحدهما : أن يبلوه بعبادة فيها ما ذكر.
والثانى : أن يبلوه بالذى ذكر لا على عبادة يدفع إليه ؛ وذلك نحو أن يبلوه بالجهاد ، وفيه الخوف ، أو يبلوه بأنواع أوصاب تحل به ، فيخاف عند ذلك على نفسه.
والجوع : أن يبلوه بالصيام الذى فيه ذلك ، أو بقلّة الإتراب وغلاء الأسعار.
ونقص من الأموال : يكون فى الجهاد ، والحج ، والزكوات ، والمؤن المجعولة فى الأموال ، ويكون فى الخسران فى التجارات ، وما يلحق أنواع المكاسب من الحوائج.
والأنفس : يكون بالجهاد ، ومحاربة الأعداء ، ويكون بأنواع الأمراض.
والثمرات : ترجع إلى قلة الإنزال ، وقصور الأيدى عما به ينال ، ومفارقة الأوطان للجهاد والحج ونحو ذلك مما فيه.
ثم الله سبحانه وتعالى أخبر أنه يبلوهم بشيء مما ذكرنا ، لا بالكل. دل أنه ـ عز
__________________
(١) قاله سعيد بن جبير بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٣٧) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٢٨٦).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٣٣٥) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٢٨٦).