فهو على ما بينا من القول به ، وأما حق التسليم فقد كان فى توقيت وقت الصبر ، ثم روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الصبر عند الصدمة الأولى» (١). وقد روى عن أنس ، رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : «ما من مصيبة وإن طال عهدها فيجدد لها العبد بالاسترجاع إلا جدد الله له ثوابها كلما استرجع» (٢).
فلعل هذا لمن أحسن القبول وقت المصيبة ، أو رجع عما كان فرط منه وتاب.
والأول فى غير ذلك. والله الموفق.
ثم فى الآية وجوه من المعتبر :
أحدها : ما يلزم العبد من المصائب ، وما يستوجبه إذا وفى بما عليه.
والثانى : فى ذلك بيان أن الصحة ، والأمن ، وحفظ المقدر لأحد ليس بلازم فى الحكمة ، لكنها إنعام من الله ، وله الابتلاء بأخذه ؛ إذ لو كان عليه الأول لم يكن يلزمه الشكر فى ذلك. والله الموفق.
والثالث : أن الله تعالى ذكر أنه بلا العباد بالذى ذكر ، ومعلوم أن ذلك يجرى على أيدى العباد بهم ، فأضاف ذلك إلى نفسه. ثبت أن له فى ذلك تدبيرا حتى يبلوهم به. والله أعلم.
وفيه أن الله تعالى قال : ونبلوكم بكذا ، ولم يكن كان يومئذ ثم كان ذلك ، وكذلك قوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ...) الآية [البقرة : ٢١٤] ، ثم بلوا بذلك ليعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم علم ذلك بالله ، وتبين أيضا أنه بموضع البشارة بما يعظم على الخلق ويقتضى القرار فى الطبع ، لم يحتمل أن يجيزهم به لو لا الأمر به وطاعة الله فى ذلك.
وأيضا أنه ذكر الخوف فيعلم أن الخوف من الخلق لا يوهن الاعتقاد ، وكذلك قوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء : ١٠١] فعلى ذلك الرجاء والطمع وجملته أن أمر
__________________
(١) أخرجه البخارى (٣ / ١٧٧) كتاب الجنائز ، باب زيارة القبور (١٢٨٣) ، ومسلم (٢ / ٦٣٧ ـ ٦٣٨) كتاب الجنائز ، باب فى الصبر على المصيبة (١٥ / ٦٢٦).
(٢) أخرجه الحكيم الترمذى كما فى الدر المنثور (١ / ٢٨٧) ، ولفظه : «ما من نعمة وإن تقادم عهدها فيجدد لها العبد الحمد إلا جدد الله له ثوابها ، وما من مصيبة وإن تقادم عهدها فيجدد لها العبد الاسترجاع إلا جدد الله له ثوابها وأجرها».
وله شاهد من حديث على بن الحسين :
أخرجه أحمد (١ / ٢٠١) ، وابن ماجه (١٦٠٠) ، وأبو يعلى (٦٧٧٧ ، ٦٧٧٨) ، وابن حبان فى المجروحين (٣ / ٨٨).