يعمل لنفسه ، ولا يحتمل أن يستحق به الأجر لو لا الإنعام منه جل ثناؤه.
ثم وعد له فى حال فعله بخصال ثلاثة :
إحداها : أن عليه صلاته. وصلاته تحتمل مباهاته الملائكة تعظيما لما بذل عبده له ، وخضع لحكمه عليه ، وهو أن قالوا : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ...) الآية [البقرة : ٣٠] ، فيخبرهم أن هذا قد سبح حضرة المصيبة ، وخضع لحكمه عليه فيها بالاسترجاع.
ويحتمل : مغفرته وإيجاب الثواب الجزيل له بقوله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [آل عمران : ١٥٧] (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) [آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧١] وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الصف : ١٠] إلى ما ذكر من الإفضال. والله الموفق.
ويحتمل ثناؤه ذكرهم فى أخبار عباده ، كقوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) [البقرة : ١٥٤] ، وقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ...) الآية [آل عمران : ١٦٩]. مع ما يرجى له من زيادة الهدى فى الدنيا بقوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت : ٦٩] ، وقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧].
والثانية : الرحمة. قد يرجع [إلى ما ذكرنا ، وجائز أن تكون](١) رحمته هى التى أكرمته بذلك الاسترجاع.
ويحتمل : النعمة ، أو رحمة يلقيها فى قلوب العباد حتى يحبونه بها ، أو خلف يعطيه فى الدنيا.
والثالثة : ثم شهد الله لهم بالهداية ، وذلك يحتمل : أن يكونوا اهتدوا لدينه ، ولما من عليهم فى المصيبة من التسليم لله.
ويحتمل : الاهتداء لطريق الجنة على ما بينه أنه وعد الشهداء. ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن : ١١] للاسترجاع. وقد روى عن نبى الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لم يعط الاسترجاع من كان قبلكم» (٢) ،
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط فى ط.
(٢) أخرجه الطبرانى وابن مردويه عن ابن عباس بلفظ : «أعطيت أمتى شيئا لم يعطه أحد من الأمم ، أن يقولوا عند المصيبة : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)» وانظر الدر المنثور للسيوطى (١ / ٢٨٦).