أقصى بلاد المسلمين أمر بالعود ليضع قدمه موضعها ويخطو تلك الخطوة.
واحتج بما روت صفية بنت فلان أنها سمعت امرأة سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فقال : «إن الله كتب عليكم السعى بين الصفا والمروة فاسعوا» (١). وهو يأتى مرة بقبول المراسيل لتوهم الغلط ، ومرة يحتج بامرأة لا يعرف ولا يذكر اسمها.
والوجه فيه إن ثبت وصح أن الكتاب يحتمل غير ما قاله. وهو أن يقال : (كتب) أى حكم ، كقوله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) [الأحزاب : ٦] ، وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [النساء : ٢٤] ، قيل : به حكم الله عليكم.
وقال آخرون : ليس بفرض ولا لازم.
واحتجوا بما ذكر فى حرف أبىّ : «لا جناح عليه أن لا يطوف بينهما» ، ولا يذكر ذلك فى شىء واجب.
والثانى : إن هذه اللفظة لفظة رخصة ، ولا يرخص بترك ما هو فرض أو لازم.
ثم الجواب عن الحرف الأول أن اللاءات ربما تزاد وتنقص ، ولا يوجب زيادتها ونقصانها تغير حكمها ، كقوله : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] أى : لا تضلوا. ومثل هذا كثير فى القرآن.
والثانى : ما ذكرنا أن المسلمين كانوا يتحرجون عن الطواف بينهما لمكان الأصنام. فبين عزوجل أن لا حرج عليهم فى ذلك ، لا أن ليس الجناح يدفع الحرج فى تركه.
وأما عندنا : فهو لازم ؛ لأنه نوع ما لا يتبرع به ، والأصل عندنا : أن ما لا يتبرع به يخرج الأمر به مخرج الوجوب واللزوم ؛ كالطواف ، وسجدة التلاوة ، وكالوتر ، والأضحية وغيره.
وقد روى عن عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، أنها قالت : «ما تم حج امرئ قط إلا بالسعى». فهو وصف [بالنقصان لا وصف](٢) بالفساد ، وفرق بين التمام من النقص وبين
__________________
ـ وحاشية العدوى (١ / ٤٧٠ ـ ٤٧٢) ، وشرح المنهاج (٢ / ١٢٦ ـ ١٢٧) ، شرح المهذب (٨ / ٧١) ، والمغنى (٣ / ٣٨٥ ـ ٣٩٠).
(١) أخرجه أحمد (٦ / ٤٢٢) عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبى تجزئة قالت : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ... فذكرته.
وله شاهد من حديث ابن عباس : أخرجه الطبرانى فى الكبير (١١ / ١٨٤) (١١٤٣٧) ، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد (٣ / ٢٥١) : وفيه المفضل بن صدقة وهو متروك.
(٢) سقط فى ط.