وقال الشافعى : روى عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة على ناقته ليرى الناس (١).
وقال : خبر جابر أولى من خبر ابن جبير ؛ فكأنه وقع عنده أنه عن ابن جبير. وذلك عن ابن جبير عن ابن عباس ، رضى الله تعالى عنه ، وهو أولى ؛ لأن العذر كامن لا يعرف بالنظر من بعد ، وإنما يعرف بالتأمل ، أو بالخبر من عند ذى العذر ، وعلى هذا خرج خبر ابن عباس ، رضى الله عنه ، على أن خبر جابر لو صح على ما يروى فهو لما ذكر أنه «يرى الناس» فكأنه أراد أن يعلمهم ، وذلك كالتعليم منه ، والتعليم عليه لازم ، فهو بتركه يلام عليه ، فذلك عذر. والله أعلم.
والثانى : أنه يجوز أن يكون فعله ذلك ليس هو فعل ما كان عليه ، أنه كيف كان يفعله؟ فكان ذلك لمكان الدلالة للخلق بذلك هو الأمر المتوارث من صنيع الحج والعمرة ، أن الأولى يفعلون ما يفعل الحاج ، لا على فعل الحج ، ولكن على التعليم ؛ فعلى ذلك أمر المروى عنه صلىاللهعليهوسلم. والله أعلم.
ثم اختلف فى الطواف بينهما بعد ما قيل : إن الجناح فيه لوجهين :
أحدهما : ما قيل (٢) : كان بالصفا صنم وبالمروة صنم فيخرجوا لمكانهما.
وقيل (٣) : كان بينهما أصنام ، لذلك كان يخرجهم.
ثم قال الشافعى : إن السعى بينهما مفروض (٤) ، حتى لو ترك الحاج خطوة منه وأتى
__________________
(١) أخرجه مسلم (٢ / ٩٢٦) ، كتاب الحج ، باب جواز الطواف على بعيره وغيره (٢٥٤ / ١٢٧٣) ، وأحمد (٣ / ٢١٧ ، ٣١٣) ، وأبو داود (١ / ٥٧٩) كتاب الحج ، باب الطواف الواجب (١٨٨٥) ، والنسائى (٥ / ٢٤١) كتاب المناسك ، باب الطواف بين الصفا والمروة على الراحلة.
(٢) قاله الشعبى ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٤١ ، ٢٣٤٢ ، ٢٣٤٤) ، وزاد السيوطى فى الدر (١ / ٢٩٢) سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٦٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٢٩٢).
(٤) ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد إلى أن السعى ركن من أركان الحج لا يصح بدونه ، حتى لو ترك الحاج خطوة منه يؤمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه ، ويخطو تلك الخطوة.
وهو قول عائشة وعروة بن الزبير.
وذهب الحنفية إلى أن السعى واجب فى الحج وليس بركن ، وهو مذهب الحسن البصرى وسفيان الثورى.
وركن السعى عند الجمهور سبعة أشواط ، حتى لو ترك شيئا منها لم يتحلل من إحرامه ، أما الحنفية فإن ركن السعى أكثر أشواط السعى ، والثلاثة الباقية ليست ركنا ، وتنجبر بالفداء.
والمشى للقادر واجب فى السعى عند الحنفية والمالكية ، سنة عند الشافعية والحنابلة.
ينظر : فتح القدير (٢ / ١٥٦ ـ ١٥٨) ، والمسلك المتقسط (١١٥ ـ ١٢١) ، وشرح الرسالة ـ