الشهوة أو يستحسنه البصر.
وحب الله من المؤمنين من هذين الوجهين فاسد ، بل هو من الوجوه التى ذكرنا ، وقد كان حب الهيبة والرغبة ؛ إذ علموا النعم كلها من الله تعالى ، وعلموا أن السلطان والعزة لله ولا أحد ينال شيئا من ذلك إلا بالله ، فأوجب ما عنده من النعم الرغبة ، وما له من السلطان الهيبة. فذلك طريق حب المؤمنين مع ما ظهر من أياديه التى لا تحصى وأفضاله التى لا تحاط ، والعلم بهما موجبا تعظيم الأمور والمبادرة بالقيام بها مع الأدلة المظهرة تعاليه عن تقدير العقول وتصوير الأوهام. فيكون حبه فى الحقيقة فى تعظيم أموره ، وحسن صحبة نعمه ، ومعرفة حقوقه ، لا فى توهم ذاته ، وإشعار القلب ما يعقله ليرجع المحبة إلى ذلك ، بل هو فيما ذكرت ؛ ولذلك أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقول لهم : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران : ٣١] ، وهو أن من أحب آخر محبة الجلال والرفعة عظم رسوله وانقاد لما يدعوه إليه وإن كان فى ذلك هلاكه ، وتعظيما لأمره وتبجيلا ، فكيف فيما نجاته وفوزه فى الدارين. والله الموفق.
وقوله : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ).
قوله : (يَرَى) قرئ بالياء والتاء جميعا (١).
ومن قرأ بالتاء جعل الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يقول : ولو ترى الذين ظلموا يا محمد : شهدوا لك : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً).
ومن قرأ بالياء ، يقول : ولو يرى الذين ظلموا فى الدنيا إذا رأوا العذاب يعلمون أن القوة لله جميعا.
[ويحتمل : لو علم الذين ظلموا إذا علموا عذاب الآخرة يعلمون أن القوة لله جميعا](٢)
ويحتمل : المراد من قوله : (يَرَى) ، أى : يدخل ، كقوله : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) [النازعات : ٣٦] ، أى لمن يدخلها ويصليها.
وقوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ).
(الَّذِينَ اتُّبِعُوا) يعنى : الرؤساء ، (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) يعنى : الأتباع والسفلة ، تبرأ بعضهم من بعض العبادة من الأتباع من القادة ، وهو كقوله : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا
__________________
(١) ينظر : اللباب فى علوم الكتاب (٣ / ١٣٩ ، ١٤٠) ، المحرر الوجيز (١ / ٢٣٥) ، والبحر المحيط (١ / ٦٤٥) ، والدر المصون (١ / ٤٢٨).
(٢) ما بين المعقوفين سقط فى أ ، ط.