هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا ...) الآية [الأنعام : ١٣٦] ، يسفههم بما عبدوا ما قد صنعوه بالصناعة أو النحت ، وزينوا بأنواع الزينة ، وعلموا أنه لا يملك شيئا ، وأعرضوا بذلك عن عبادة من عرفوه بشهادة جميع العالم به [لهم وعلموا أنه لا يملك شيئا مما عبدوه ضرّا ولا نفعا](١) ، بل لو كان يجوز العبادة لغير الله لكان أولئك الذين اتخذوا أولى من المتخذين.
ثم بين عظم سفههم : علمهم بجهلها بعبادتهم ، وعجزها عن الدفع عنها ، ثم قاموا بنصرها والدفع عنها سفها بغير علم.
وقوله : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ).
قيل (٢) : يحبون عبادة الأنداد وطاعتهم [كحبهم عبادة](٣) الله وطاعته ؛ لأنهم يقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، ويقولون : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨].
وقيل : يحبون عبادة الأنداد كحب المؤمنين عبادة ربهم.
وقيل (٤) : يحبون آلهتهم كما يحب الذين آمنوا ربهم.
ثم قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) منهم لآلهتهم.
قيل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) أى : أشد حبّا لأجل الله.
وقيل : أى أشد اختيارا لطاعته ، وأكثر ائتمارا وإعظاما وإجلالا لأمره من إعظامهم وإجلالهم آلهتهم. والله أعلم.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) أى لعبادته منهم لعبادة الأوثان من حيث لا يؤثر المؤمن على عبادة الله ، أعنى فى الاختيار لا فيما يوجد من ظاهر الأحوال فى الدارين جميعا ، وهم يتركون عبادة الأوثان بوجود ما هو أعجب منها أو بأدنى شىء من متاع الدنيا.
ثم المحبة ـ محبة الشهوة والميل إليها ، وهو فى الخلق ، لا يحتمل فى الله ، ومحبته ـ الطاعة وإيثار الأمر والإعظام ، فهو فى الله يحتمل.
وبعد فإن الحب يخرج على الثناء ، وعلى العبادة والطاعة ، وعلى التبجيل والتعظيم ، وقد يخرج على ميل القلوب ، فحب الكفرة هذا ، وهو حب الجسدانى به الذى يولده
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤١٩) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٠٣).
(٣) فى ط : كعبادة.
(٤) قاله الربيع ، وابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٤١٧ ، ٢٤١٨) ، وأخرجه عبد بن حميد عن عكرمة وقتادة كما فى الدر المنثور (١ / ٣٠٤).