الخمر (١) وغيره.
__________________
ـ الغازى فى سبيل الله يوقف له يوم القيامة ، فيأخذ من عمله ما شاء ، قال رسول صلىاللهعليهوسلم : «حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين فى أهله فيخونه فيهم ، إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم؟!» أى : ما ظنكم أن يترك له من حسناته وقد حكم فى أن يأخذ ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة. فإن اتفق أن تكون المرأة رحما له انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها ، فإن اتفق أن يكون الزانى محصنا كان الإثم أعظم ، فإن كان شيخا كان أعظم إثما وعقوبة ، فإن اقترن بذلك أن يكون فى شهر حرام ، أو بلد حرام ، أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلوات وأوقات الإجابة تضاعف الإثم. ينظر : شرح القدير (٥ / ٣١) ، حاشية ابن عابدين (٣ / ١٤١) ، حاشية الدسوقى (٤ / ٣١٣) ، مغنى المحتاج (٤ / ١٤٣).
(١) حرمة الخمر ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة. أما الكتاب فقوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩٠ ، ٩١]. وتحريم الخمر كان بتدرّج وبمناسبة حوادث متعددة ؛ فإنهم كانوا مولعين بشربها. وأول ما نزل صريحا فى التنفير منها قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس ، وقالوا : لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير ، ولم يتركها بعضهم ، وقالوا : نأخذ منفعتها ، ونترك إثمها. فنزلت هذه الآية : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فتركها بعض الناس ، وقالوا : لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة ، وشربها بعضهم فى غير أوقات الصلاة حتى نزلت : يا (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ...) الآية ؛ فصارت حراما عليهم ، حتى صار يقول بعضهم : ما حرم الله شيئا أشد من الخمر.
وقد أكد تحريم الخمر وكذلك الميسر فى الآية بوجوه من التأكيد : منها : تصدير الجملة ب (إنما). ومنها : أنه سبحانه وتعالى قرنهما بعبادة الأصنام. ومنها : أنه جعلهما رجسا. ومنها : أنه جعلهما من عمل الشيطان ، والشيطان لا يأتى منه إلا الشر البحت. ومنها : أنه أمر باجتنابهما. ومنها : أنه جعل الاجتناب من الفلاح ، وإذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خيبة وممحقة. ومنها : أنه ذكر ما ينتج عنهما من الوبال ، وهو وقوع التعادى والتباغض من أصحاب الخمر والقمار ، وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله ، وعن مراعاة أوقات الصلاة. وقوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) من أبلغ ما ينهى به ، كأنه قيل : قد تلى عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع ، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون ، أم أنتم على ما كنتم عليه ، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟!
وأما السنة فقد وردت أحاديث كثيرة فى تحريم الخمر قليلها وكثيرها.
وقد قال جماهير العلماء : كل شراب أسكر كثيره حرم قليله ، فيعم المسكر من نقيع التمر والزبيب وغيرهما ؛ لما تقدم من الآية الكريمة ، وللأحاديث الشريفة التالية : عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «كل شراب أسكر فهو حرام». وقال عليه الصلاة والسلام : «كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام» ، وعن سعد بن أبى وقاص أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره» ، وعن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ، وقال عليه الصلاة والسلام : «كل مسكر حرام ، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام» ، وعن أم سلمة قالت : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن كل مسكر ومفتر». فهذه الأحاديث كلها دالة على أن كل مسكر حرام ، ومنها ما يدل على تسمية كل مسكر خمرا ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : «كل مسكر خمر» ، كما يدل بعضها على أن ـ