منهما يشتمل على كل نوع من الآثام.
ويحتمل : أن يكون السوء ما خفى من المعاصى ، والفحشاء ما ظهر منها.
وقيل (١) : السوء ما لا حد فيه ، والفحشاء ما فيه حد من نحو الزنى (٢) وشرب
__________________
(١) قاله ابن عباس كما فى تفسير البغوى (١ / ١٣٨).
(٢) الزنى لغة : الفجور. وهذه لغة أهل الحجاز ، وبنو تميم يقولون : زنى زناء. ويقال : زانى مزاناة ، وزناء : بمعناه.
وشرعا :
عرفه الحنفية بتعريفين : أعم ، وأخص. فالأعم : يشمل ما يوجب الحد وما لا يوجبه ، وهو وطء الرجل المرأة فى القبل فى غير الملك وشبهته ، قال الكمال بن الهمام : ولا شك فى أنه تعريف للزنى فى اللغة والشرع ؛ فإن الشرع لم يخص اسم الزنى بما يوجب الحد منه بل هو أعم. والموجب للحد منه بعض أنواعه ؛ ولذا قال النبى صلىاللهعليهوسلم : «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة ، فزنى العين النظر ...» الحديث. ولو وطئ رجل جارية ابنه لا يحد للزنى ، ولا يحد قاذفه بالزنى فدل على أن فعله زنى وإن كان لا يحد به. والمعنى الشرعى الأخص للزنى : هو ما يوجب الحد ، وهو وطء مكلف طائع مشتهاة حالا أو ماضيا ، فى قبل خال من ملكه وشبهته ، فى دار الإسلام ، أو تمكينه من ذلك ، أو تمكينها.
وعرفه المالكية بأنه : وطء مكلف مسلم فرج آدمى لا ملك له فيه بلا شبهة تعمدا.
وعرفه الشافعية بأنه : إيلاج حشفة أو قدرها فى فرج محرم لعينه مشتهى طبعا بلا شبهة.
وعرفه الحنابلة : بأنه فعل الفاحشة فى قبل أو فى دبر.
والزنى حرام ، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً* يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً* إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان : ٦٨ ـ ٧٠]. وقال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٣٢]. قال القرطبى : قال العلماء : قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) أبلغ من أن يقول : ولا تزنوا ؛ فإن معناه : لا تدنوا من الزنى. وروى عبد الله بن مسعود قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أى الذنب عند الله أكبر؟ قال : «أن تجعل لله ندا وهو خلقك». قلت : ثم أى؟ قال : «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت : ثم أى؟ قال : «أن تزانى بحليلة جارك».
وقد أجمع أهل الملل على تحريمه فلم يحل فى ملة قط ؛ ولذا كان حده أشد الحدود ؛ لأنه جناية على الأعراض والأنساب. وهو من جملة الكليات الخمس ، وهى حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال.
ويتفاوت إثم الزنى ويعظم جرمه بحسب موارده : فالزنى بذات المحرم أو بذات الزوج أعظم من الزنى بأجنبية أو من لا زوج لها ؛ إذ فيه انتهاك حرمة الزوج ، وإفساد فراشه ، وتعليق نسب عليه لم يكن منه ، وغير ذلك من أنواع أذاه ؛ فهو أعظم إثما وجرما من الزنى بغير ذات البعل والأجنبية. فإن كان زوجها جارا انضم له سوء الجوار ، وإيذاء الجار بأعلى أنواع الأذى ، وذلك من أعظم البوائق ، فلو كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم له قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم ، وقد ثبت عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بواثقه» ، ولا بائقة أعظم من الزنى بامرأة الجار. فإن كان الجار غائبا فى طاعة الله كالعبادة ، أو طلب العلم ، أو الجهاد ، تضاعف الإثم حتى إن الزانى بامرأة ـ