النفس لا تتلذذ بالتناول من كل حلال ، ولكن إنما تطيب بما هو لها ألذ وأوفق (١). والله أعلم.
وعلى ذلك قوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ...) الآيات [الأعراف : ٣٢ ـ ٣٣]. فيكون كأنه الذى فى الأرض حلالا وحراما ، ثم فما حل طيب دون ما حرم. فأمر بأكل ما طاب من ذلك إذا قدر عليه ؛ لأنه على قدر طيبه يعظم محله فى القلب ، وعلى ذلك يرغب نفسه بالشكر لمن أنعم به عليه ، والتعظيم لمن أكرمه بالذى طابت له به النفس. والله أعلم.
واختلف فى قوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ).
قيل (٢) : آثار الشيطان.
وقيل : وساوس الشيطان.
وقيل : سبل الشيطان ؛ كقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام : ١٥٣].
فهو يرجع إلى واحد.
وقوله : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، وذكر فى موضع آخر ، وسماه وليّا بقوله : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) [البقرة : ٢٥٧]. فالوجه فيه أنه يريهم فى الظاهر الموالاة ولكنه يريد فى الباطن إهلاكهم ، فإذا كان كذلك فهو فى الحقيقة عدو.
وجائز أن يكون (أَوْلِياؤُهُمُ) [البقرة : ٢٥٧] أى هو أولى بهم إذ عملوا ما عملوا بأمره ، أو أولياؤهم بما وافقوهم (٣) فى الفعل ، وشاركوهم فى الأمر (٤) ، وكانوا فى الحقيقة لهم أعداء ، إذ ذلك هلاكهم. ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) [النساء : ٧٦] ؛ لأنه يوسوس ويدعو فإن أطاعه ـ وإلا ليس له عليه سلطان سوى ذلك ـ فهو ضعيف ؛ لأن من لا ينفذ على رعيته سوى قوله فهو ضعيف ، يوصف بالضعف ـ والله أعلم ـ ويكون ضعيفا على من يتأمل مكايده ويتحفظ أحواله.
وقوله : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ).
قيل : يحتمل : أن يكون السوء هو الفحشاء ، والفحشاء هو السوء. لما أن كل واحد
__________________
(١) فى أ : وأرق.
(٢) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ١٣٨).
(٣) فى ب : والوهم.
(٤) فى أ : الشر.