ولا يغيب عنا في هذا المقام مناظرات أبي حنيفة مع المخالفين في العقيدة.
ولما انصرف أبو حنيفة إلى الفقه استفاد منه الماتريدي أيضا ، غير أن هناك قضايا كلامية كثيرة نشبت ولم يبد أبو حنيفة فيها رأيا أو جاءت بعد عصره ، فخاض فيها الماتريدي ونقد آراء المخالفين ، وعالج قضايا لم تكن موجودة مثل قضية المعرفة ، كما كتب بحثا تفصيليّا عن الصفات وإثبات التوحيد ، واستخدام العقل في ذلك ، كذلك كان علم الكلام غير مقبول عند أهل السنة قبل الماتريدي ، فجاء الماتريدي وأسس منه علما قائما على سوقه يلقى تأييدا ويجد قبولا لدى علماء أهل السنة (١).
وخلاصة القول : إنه إذا كان يرجع لأبي حنيفة الفضل في القيام بأول محاولة لإقامة مذهب كلامي على اعتقاد أهل السنة ، فإن للماتريدي فضل إقامة مذهب متكامل أيده بالحجة والبرهان للتعبير عن اعتقاد أهل السنة ، ولكن يبقى الماتريدي منتسبا إلى أبي حنيفة ومدرسته.
ثانيّا : تلاميذه :
قد تتلمذ على يد الشيخ أبي منصور الماتريدي كثيرون ، صاروا شيوخا وعلماء كبارا ، وأسهموا في نهضة الحياة الفكرية والثقافية والعلمية في العالم الإسلامي.
ومن هؤلاء الذين تخرجوا بأبي منصور الماتريدي :
١ ـ إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن زيد ، أبو القاسم القاضي الحكيم السمرقندي.
قال عنه أبو سعد السمعاني : روى عن عبد الله بن سهل الزاهد ، وعمرو بن عاصم المروزي ، وتفقه بأبي منصور الماتريدي (٢).
وقد تولى إسحاق قضاء سمرقند أياما طويلة ، وحمدت سيرته ، ولقب ب «الحكيم» ؛ لكثرة حكمته ومواعظه (٣).
وروى عنه عبد الكريم بن محمد الفقيه السمرقندي في جماعة (٤).
وقد توفي ـ رحمهالله ـ في شهر المحرم يوم عاشوراء ، سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة
__________________
(١) ينظر : مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده (٢ / ١٥٤ ـ ١٥٧).
(٢) ينظر : الجواهر (١ / ٣٧١ ، ٣٧٢) ، والطبقات السنية (٢ / ١٥٨).
(٣) ينظر : السابقان.
(٤) ينظر : السابقان.