والماتريدية ، وعند التحقيق والاستقراء ثلاث طوائف :
الأولى : أهل الحديث ومعتمد مبادئهم الأدلة السمعية من الكتاب ، والسنة ، والإجماع.
الثانية : أهل النظر العقلي وهم الأشعرية ، والحنفية ، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي.
الثالثة : أهل الوجدان والكشف ، وهم الصوفية ومبادئهم هي مبادئ أهل النظر والحديث في البداية ، والكشف والإلهام في النهاية (١).
وقد ذكر العلامة البغدادي : أن أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث ، وأخرج من هؤلاء الحشوية الذين يشترون لهو الحديث ، ومن أهل السنة فقهاء هذين الفريقين ـ الرأي والحديث ـ وقراؤهم ومحدثوهم ومتكلمو أهل الحديث.
ويقول الزبيدي عن الماتريدي في شرحه على الإحياء : وحاصل ما ذكروه أنه كان إماما جليلا مناضلا عن الدين مجليا لعقائد أهل السنة ، قطع المعتزلة وذوى البدع في مناظراتهم ، وخصمهم في محاوراتهم حتى أسكتهم (٢).
وقال عنه صاحب إشارات المرام العلامة كمال الدين أحمد البياضي الحنفي ـ من علماء القرن الحادي عشر الهجري ـ : «وحقق الأصول في كتبه بقواطع الأدلة ، وأتقن التفاريع بلوامع البراهين اليقينية».
فالماتريدي على هذا محقق مدقق ، قال الكوثري يصف تدقيقه وتحقيقه : إلى أن جاء إمام أهل السنة فيما وراء النهر أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي المعروف بإمام الهدى ، فتفرغ لتحقيق مسائلها وتدقيق دلائلها ، فأرضى بمؤلفاته جانبي العقل والنقل في آن واحد (٣).
يدلنا هذا كله على مكانة الماتريدي العالية ، وقدمه الراسخة في العلم ، وذيوع شهرته ، ومحبة العلماء له ، واقتدائهم به ، وأخذهم عنه ، فرحم الله ـ تعالى ـ الشيخ الماتريدي لقاء ما قدمه للعقيدة الإسلامية الصحيحة من جهود مشكورة في الذب عنها ، ودحض شبه المغرضين حولها.
__________________
(١) ينظر : تعليق الكوثري على إشارات المرام للبياضي ص ٢٩٨.
(٢) ينظر : إتحاف السادة المتقين للزبيدي (٢ / ٥).
(٣) ينظر : مقدمة إشارات المرام (ص ٦ ، ٧).