الصدق الذي وعد تعالى رسوله وكذلك قوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ) التعبير بالفاء عقيب الوعد المذكور وروى الجصاص ان نفر من أهل المدينة قصدوا رسول الله (ص) في مكة للبيعة وفيهم البراء بن معرور فصلى براء إلى مكة والى أصحابه فلما قدموا رسول الله (ص) سألوه فلم يأمره باستيناف صلواته.
أقول بعد ما عرفت ان ظاهر الآيات ان كل واحد من القبلتين فريضة في وقته فلا يصغي الى هذه الآحاد الضعاف المخالفة لظاهر القرآن.
(٣) روى الجصاص عن ابن عباس ان هذه الآية نسخت بها قوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ). / البقرة (١١٠) وكان المسلمون قبل ذلك يصلون الى حيث كان من الجهات وقال بعض الأعيان ان القائل بذلك قتادة.
أقول لازم ذلك القول انه تعالى ما جعل لرسوله قبلة بعينها وهذا خلاف صريح الآيات والسنن القطعية وسيجيء إن شاء الله ان قوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ليست بمنسوخة بل محكمة يعمل بها في موردها ونسبة هذه الآية المبحوثة عنها نسبة العام الى الخاص لا للناسخ والمنسوخ والله الهادي.
قوله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) التولية التحير والتمكن من التصرف اي صرف وجهك وإطلاق الأمر يقتضي الوجوب مطلقا سواء كان في الفرائض أو في النوافل وفي جميع الحالات بالعناوين الأولية وغيرها من حال الشك في القبلة والتحير فيها وهذا الإطلاق في معرض التقييد فلا ينافي ما ورد في تخصيصه من عدم اشتراط الاستقبال في النوافل ـ ما يشاء ـ وفي غيرها من العناوين الثانوية (مثل صلاة الخوف).
والشطر : فسره بعضهم بالنصف والبعض وذكر ان وجه التعبير عن الكعبة بشطر مسجد الحرام فإن الكعبة بعض من المسجد الحرام ولا يخفى ما فيه من التكلف قال في القاموس الشطر نصف الشيء وجزئه الى ان قال والجهة والناحية وهذا المعنى الأخير هو المراد في المقام اي اصرف وجهك نحو المسجد الحرام وتصريف الوجه نحو المسجد الحرام باعتبار احتوائه الكعبة المكرمة لا انه قبلة في قبال الكعبة وإلغاء كونها قبلة كما قد يوهمه بعض الكلمات ان الكعبة قبلة لمن في المسجد والمسجد قبلة لمن في الحرم والحرم قبلة لأهل الدنيا ومنشأ هذا التوهم هو الأخذ بظاهر الآية وبظاهر عدة من الروايات ضرورة ان الآية وما في مساقها من روايات عمومات سيقت لأهل التشريع قبلة فلا ينافي ما ورد من تخصيصها وتعين حدود القبلة وما يرجع الى شأنها ومنه يعلم انه لا وجه لإعمال المعارضة بين ما دل على ان القبلة عين الكعبة