الأحكام على موضوعاتها انما هو على السعة والإرفاق وهو الحرج المنفي في الدين سواء كان لزوم الحرج في أصل التشريع أو بحسب العناوين الثانوية. وعروض الحرج والشدة بحسب الأوضاع والأحوال فيرتفع الحكم الأصلي ويقوم مقامه الحكم الاضطراري كما في الآية المبحوثة عنها ولا يخفى ان نفس الحرج انما هو في إتيان الواجبات واما في المحرمات فمورد الحرج النفسي في تركها والاضطرار إليها فعند الاضطرار الى ارتكابها فيرتفع أيضا ولا يخفى أيضا ان الحرج النفسي سواء كان في ارتكاب المحرمات المستقلات أو في إتيان الواجبات انما هو في الواجبات والمحرمات الشرعية التعبدية واما الأحكام العقلية اي المستقلات العقلية ففيها طور آخر من البحث ولعل الله يوفقنا للبحث عنها في الأبحاث الآتية ان شاء الله.
فتحصل في المقام ان الحرج المنفي هو مطلق الحرج سواء بحسب أصل الشرع أو بحسب الأحوال والأوضاع الطارئة وينطبق انطباقا تاما على الآية المبحوثة عنها اي الحرج الطارئ بطرو العناوين الثانوية ويشمل أيضا بإطلاقها جميع أنواع الحرج في الموارد كلها فلا يمكن أن يتوهم ان الحرج المنفي بالأولية والأولوية ما كان لازما بحسب أصل التشريع كما لا يخفى.
قوله تعالى (يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). ففي الكلام إبراز عطف وحنان منه سبحانه على المكلفين وتطييب لقلوبهم فسبحانه من إله ما ابره وما أوصله فذكرهم انه سبحانه ما يريد في جعل الأحكام الا ما هو الأسهل والأخف والأوفق لشأنكم وحالكم لا الضيق والحرج وقيل ان المراد في الآية انه ليس غرضه تعالى في تشريع الدين إيجادا لحرج وإيجاب الضيق والظاهر هو الوجه الأول (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) بالطهارات الثلاث بإيجابها وتشريعها عليكم قيل ان المراد التطهير من الذنوب وقيل التطهير من الحدث بالتراب وقيل تنظيف الأبدان بالوضوء والغسل وعن الحنيفية انها الطهارة عن النجاسة الحكمية وأورد عليه الشافعية بعدم إمكان الالتزام بالنجاسة الحكمية فإن حكم النجاسة وجوب غسل ملاقيها وبطلان صلاة من حملها وأجاب عنه الفاضل المقداد بان الشافعية لم يدركوا معنى النجاسة الحكمية وما ذكروه من التوالي هي آثار النجاسة العينية الى ان قال فإذا الأولى ما ذكره الحنيفة ويمكن أن يكون الثاني أيضا مرادا انتهى. أقول مراده من الثاني طهارة القلب الذي ذهب إليه الشافعية والحق في المقام والمناسب للتفسير واللغة هو النظافة والنزاهة الحاصلة بالطهارات الثلاثة أمر الله تعالى بها وجعلها من شرائط الصلاة.
قوله تعالى ـ (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ) الآية ـ المراد من النعمة هو الدين تفضل له