بالبراءة عن وجوب الأكثر في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين بأن الأوامر الشرعية ونواهيها تابعتان للمصالح الواقعية والمفاسد النفس الأمرية في متعلقاتها ، أي المأمور به والمنهي عنه ، أي فعل المكلف امّا ذو مصلحة وامّا ذو مفسدة.
وعليه إذا اكتفينا بالأقل فنشك حينئذ في حصول غرض المولى ، وإذا كان الشك في حصول الغرض وفي محصله فلا بدّ من الاحتياط الذي يتحقّق بإتيان الأكثر الارتباطي.
ثم أجاب الشيخ الأنصاري قدسسره عنه بجوابين :
الأوّل : أنّ مسألة البراءة والاحتياط ليست بمبتنية على مسلك المشهور من العدلية من كون المصالح والمفاسد في المأمور به والمنهي عنه ، بل تكون متفرّعة على مسلك غير المشهور من العدلية من كون المصالح في نفس الأمر لا في المأمور به ؛ وفي نفس النهي لا في المنهي عنه ، أو تكون متفرّعة على مسلك الأشاعرة المنكرين لقيام الملاكات والمصالح والمفاسد بالمتعلّقات والمأمور به والمنهي عنه ولقيامها في الأوامر والنواهي ، بل الأحكام تابعة لإرادة الباري (عزّ اسمه) لأنّ الأشاعرة منكرون للحسن والقبح العقليين وقالوا إن الحسن ما حسّنه الشارع المقدّس ؛ والقبيح ما قبّحه. وعلى هذين المسلكين نجري البراءة عن وجوب الأكثر الارتباطي ويكون الأقل واجبا ولا محذور فيه بناء عليهما.
الثاني : سلمنا أن مسألة البراءة والاحتياط متفرّعة على مسلك المشهور من العدلية ، ولكن ليس هذا الابتناء بموجب للاحتياط الذي يتحقّق بإتيان الأكثر أو حصول المصلحة واللطف في العبادات يترتّبان على إتيانها على وجه الإطاعة. ومن الواضح أن إتيانهما على وجه الامتثال والإطاعة يتوقّف على معرفة أجزاءها تفصيلا أن هذا الجزء واجب ، وذاك الجزء مستحب ، وذلك ركن ، أو غير ركن ، ليؤتى بها مع