.................................................................................................
______________________________________________________
وظهر مما ذكرنا : ان نفس الإرادة ليست جعلا تشريعيا ، لان الجعل التشريعي هو جعل ما يكون داعيا للعباد لان يفعلوا ولان يتركوا ، والذي يكون داعيا للمكلف هو امر المولى ونهيه لا ارادته وكراهته.
لا يقال : ان الامر والنهي حيث انه يكون كاشفا عن الارادة والكراهة يكون داعيا فالداعي في الحقيقة هو الارادة والكراهة.
فانه يقال : ان الارادة والكراهة هي الشوق الى الفعل والى الترك ، فاذا كان الفعل مما ترجع مصلحته ومفسدته الى المولى فان كان الشوق المتعلّق به بما هو فعل مباشري للمولى كان هو المتولي للفعل والترك ، وان كان الشوق قد تعلق به بما هو صادر من غيره دعاه ذلك الى ان يأمر عبده بالفعل والترك.
واما اذا كانت المصلحة والمفسدة مما ترجع الى العبد نفسه من دون تعلق لها بالمولى اصلا ، فلا يعقل ان يتعلّق شوق من المولى الى ايجاد الفعل ولا الى تركه ، لان الشوق من النفس انما يتعلق بما يعود اليها لا الى غيرها ، ولما كان الله عزوجل وشانه مما لا يعقل ان يعود الغرض من المامور به اليه ، فلا يكون امره ونهيه مما يكشف عن ارادته وكراهته للفعل بما هو راجع اليه.
فان قلت : على هذا تكون أوامره ونواهيه ارشادية لا مولوية ، لان الداعي الى الامر والنهي اذا كان مما يتعلق بالغير فيكون أمره ونهيه لبّا لبيان المصلحة والمفسدة ، والامر والنهي اذا كان بداعي ان في الفعل مصلحة أو مفسدة كان الامر والنهي للإرشاد اليهما لا أمرا ونهيا مولويا بداعي كونه مولى آمرا وناهيا.
قلت : لما كان الداعي الى الامر والنهي هو اللطف لان يصل العباد الى ما فيه مصالحهم ، كان ذلك اللطف داعيا ايضا لان يأمر وينهى بما هو مولى يترتب على اطاعة امره الثواب وعلى معصيته العقاب ، لان نوع المكلفين انما يتحركون بداعي الخوف والرجاء ، لا بداعي كون الفعل ذا مصلحة او مفسدة ، ولا سيما فيما اذا