وفي تفسير : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال ابن المرتضى : قال قوم : الهاء في «موته» كناية عن عيسى ، أي قبل موت عيسى عند نزوله من السماء في آخر الزمان ، فلا يبقى أحد إلّا آمن به ، حتّى يكون به الملّة واحدة ملة الإسلام ، ويقع الأمنة في الناس ، حتّى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الصبيان مع الحيّات (١).
الآية الثالثة والعشرون قوله عزوجل : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(٢).
١٣٨ ـ روى الصدوق رحمهالله بإسناده عن عبد الحميد بن ابي الديلم قال : قال الصادق جعفر بن محمّد عليهالسلام : يا عبد الحميد إنّ الله رسلا مستعلنين ورسلا مستخفين ، فإذا سألته بحقّ المستعلنين فسله بحقّ المستخفين.
وتصديق ذلك من الكتاب قوله : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) فكانت رسل الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم عليهالسلام إلى وقت ظهور إبراهيم عليهالسلام أوصياء مستعلنين ومستخفين ، فلمّا كان وقت كون إبراهيم ، عليهالسلام ، ستر الله شخصه وأخفى ولادته ، لأنّ الامكان في ظهور الحجّة كان متعذّرا في زمانه ، وكان إبراهيم عليهالسلام في سلطان نمرود مستترا لأمره ، وكان غير مظهر نفسه ، ونمرود يقتل أولاد رعيّته وأهل مملكته في طلبه ، إلى أن دلّهم إبراهيم عليهالسلام على نفسه ، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ، ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجّته واكمال دينه ، فلمّا كان وقت وفاة إبراهيم عليهالسلام ، كان له أوصياء حججا لله عزوجل في أرضه يتوارثون الوصيّة ، كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسى عليهالسلام ، فكان فرعون يقتل أولاد بني اسرائيل في طلب موسى عليهالسلام الّذي قد شاع من ذكره وخبر كونه ، فستر الله ولادته ، ثمّ قذفت به أمّه في اليمّ كما أخبر الله عزوجل : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)(٣) وكان موسى عليهالسلام في حجر فرعون يربّيه وهو لا يعرفه ، وفرعون يقتل أولاد بني اسرائيل
__________________
(١) الصراط المستقيم ٢ / ٢٢٢.
(٢) النساء : ١٦٤.
(٣) القصص : ٧.